الوجود الأجنبي فى دارفور :آثار اقتصادية ومخاطر اجتماعية وتهديدات أمنية..!

تعرض الوجود الأجنبي بالسودان لانتقاداتٍ واسعة وأثيرت بشأنه عدد من التحفظات رغم تأكيد المجتمع الدولي على الطابع السلمى لهذا الوجود، ومساعدته في تخفيف معاناة أهل دارفور، و تحقيق السلم و الأمن و كفالة حقوق الإنسان غير ان دراسة اجتماعية اعدها الباحث بقسم العلوم السياسية جامعة النيلين دكتور بهاء الدين مكاوي حذرت من مغبة تأثير ذلك الوجود على الأوضاع الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية بالمنطقة وانعكاساتها على مجمل الأوضاع في السودان.
وكشفت الدراسة التى طرحت للنقاش بقاعة مركز دراسات المجتمع (مدا) الاسبوع الماضي من قبل عدد من المختصين والباحثين والتي استهدفت 7650 مبحوثا من 77 قبيلة مختلفة تقطن منطقة نيالا ان 92% من العينة تعتقد بايجابية الوجود الاجنبي بالمنطقة نظير 29% يؤمنون بعكس ذلك ولفتت الدراسة النظر الى تدني درجة الوعي وسط المواطنين باسباب تواجد الاجانب بدارفور اذ اخفق 60% من الشريحة المستهدفة فى معرفة الاسباب المختلفة التى جاءت من اجلها القوات الاجنبية مقابل 27% وفقوا فى ذكر اسباب دخولها .وفيمايتعلق بكيفية التعامل مع الاجانب أجاب نحو 78% من العينة بعدم التعامل معهم مقابل11 % اقروا بتعاملهم معهم وفق لاجور مالية محددة ،اما عن شكل الوجود فى المنطقة فتقول الدراسة يعتقد 83% من جملة المبحوثين ان الوجود الاجنبي منظمات تطوعية جاءت لخدمة أبناء المنطقة مقابل 2% ذكروا ان الوجود الأجنبي يتمثل فى القوات العسكرية، بينما 1% يرى أن الوجود الأجنبي يتمثل في الأفراد،واستنتجت الدراسة من واقع تلك الارقام انه وبالرغم من الأعداد الكبيرة لقوات الهجين، إلا أن إحساس المواطن بها يكاد ينعدم، وبالتالي فإن دورها وأنشطتها تبقى محل شك كبير غير ان فى مقابل ذلك فان المواطن يشعر بدور المنظمات التطوعية ويتجاوب معها وهو ماطالبت الدراسة بالوقوف عنده باعتباره ثغرة وشددت على الجهات المختصة بوضع الضوابط اللازمة لمنع انتشار هذه المنظمات فى غير المواقع المخصصة لها .
وفي اجابة المبحوثين عن السؤال الخاص بالمشاكل التى يسببها الاجانب قال 13% إنهم سمعوا بوسائل مختلفة عن بعض المشاكل التي سببها الأجانب بالمنطقة والى تتمثل بشكل رئيسي في عمليات اغتصاب البنات (9%)، والزنا وممارسة الدعارة والسكر (2%)، واغتصاب الأطفال (2%)، التحرش الجنسي بالبنات (1%)، في مقابل فإن نحو 87% لم يسمعوا عن آية مشاكل سببها الأجانب بالمنطقة ،وعزت الدراسة ذلك لجملة اسباب منها ضعف الإعلام الموجه ، وكثافة الإعلام المضاد المركز على نقل المواجهة بين القبائل المختلفة.بجانب عدم توثيق الحالات المسجلة إعلاميا، ونشرها عالمياً ومحلياً وعدم إتباع الدولة لسياسات صارمة تجاه الأجانب.
الى ذلك اوردت الدراسة عدداً من المتغيرات الاجتماعية التى يعتقد الأهالي أنها حدثت بسبب وجود الأجانب كالتغيير الطفيف في عادات المجتمع وانقياده نحو تقليد الغرب من ناحية المظهر واللغة والعادات إضافة لممارسة الزنا وتصوير الأفلام الفاضحة وانفتاح الشابات على الأجانب والإقبال عليهم، والتزوج من الأجنبيات هذا بجانب تزايد معدلات حوادث الاعتداء على الاطفال والتى يرى المواطنون انها غالبا ما يتم توظيفها لصالح الحركات المسلحة واتهام الحكومة والقوات الموالية لها بذلك عبر استغلالها بشكل واضح ونسبها إلى الحكومة مع تضخيمها و المبالغة فيها هذا وجود نشاط اجنبي لتنصير المنطقة.
أما من الناحية الاقتصادية فتؤكد الدراسة على تدهور الأحوال الاقتصادية للمواطنين بسبب الحرب والوجودالأجنبي الذي تسبب في ارتفاع إيجار العقارات وانتعاش حركة السوق الذي اضر بمصلحة الاكثرية و توفر بعض فرص العمل في المنظمات الأجنبية والذي جاء خصما على الزراعة والرعي وانعكس ذلك سلبا على الانتاج بصورة عامة هذا اضافة الى نتائج اخرى في نمط المعيشة اليومي كاعتماد الأهالي على السلع المستوردة والاغاثات والاعتماد عليها بدلاً من السلع المحلية .
سياسيا توصلت الدراسة لاعتقاد سائد وسط المواطنين بالدوافع الإنسانية وراء الوجود الأجنبي بدارفور فهم يعتقدون بأن أسباب وجودهم متعلق بالإغاثة وتقديم المساعدات كذلك الاعتقاد بالدور الأخلاقي للأجانب ودورهم المحوري في تحجيم نشاط الحكومة وإرغامها على احترام حقوق الإنسان وحرماته. ويلازم هذا الاعتقاد رؤية اخرى منهم تتمثل فى أن الحكومة هي سبب المشكلة التي يعانون منها حيث يعتقد 39% من المبحوثين أن الحركات المسلحة على حق وأن الحكومة مخطئة، بينما يرى 8% فقط العكس. الى ذلك يرى 96% من الشريحة المستهدفة أن الأجانب لا علاقة لهم بالصراع القبلي في دارفور، نظير88%يعتقدون أهمية الوجود الأجنبي بالمنطقة، وهو حسب الباحث ما يحتاج إلى دراسات إضافية متعمقة لمعرفة الأسباب الكامنة خلف هذا الاعتقاد.
ولفتت الباحث الى نقطة اخرى استخلصها من استطلاعات المبحوثين وهي ضعف الإعلام المحلي وتقصيره في توجيه الرأي العام في دارفور وشرح أبعاد القضية والذي يقابله ضخ اعلامي اجنبي يركز على مظالم أهل دارفور وانتهاكات الحكومة لحقوق الإنسان.
وخلص الباحث من خلال هذه المعطيات الى غياب الوعي بين المواطنين بالمصالح والأهداف الحقيقية التي تكمن خلف الوجود الأجنبي بمناطقهم، والتعامل بتلقائية مع هذا الوجود وهو ما ترى الدراسة بانه يمكن ان يفتح الباب مستقبلا للتعاون بين الأجانب والمواطنين مما يهدد الأمن القومي للبلاد بصورة عامة فى ظل جهل 77% من الشريحة المستهدفة بمقاصد التوزيع العادل للسلطة فى السودان.
ولكل ماتقدم نادت الدراسة بعدد من التوصيات التى من شأنها ان تضع حدا للمتغيرات التى طرأت على واقع دارفور كالعمل الجاد وبتنسيق تام مع القوى السياسية المختلفة بالبلاد للوصول الى خيارات توقف رحى الحرب الدائرة بالاقليم بجانب العمل الجاد على كشف النشاط التبشيري بدارفور والعمل على تحجيمه ومحاربته، مع تكثيف النشاط الدعوي الإسلامي، وقيام المنظمات الإسلامية بتقويم الإغاثة للنازحين واللاجئين من أبناء دارفور اضافة الى الاسراع فى تنفيذ مشروع إعادة النازحين إلى قرارهم وبذل أقصى الجهود لتوفير المأوى، والتخطيط لقفل معسكرات النزوح في أقرب فترة ممكنة وزيادة المشروعات التنموية والطرق والاتصالات بالمنطقة والتخطيط للتنمية المتوازنة في صميم الخطط القومية والاهتمام بالإعلام وإقامة محطات تلفزيونية وإذاعية لمواجهة الإعلام الغربي المعادي لدارفور والسودان واستخدام تلك الوسائل لكشف المخططات الأجنبية الرامية لتقسيم البلاد هذا بجانب إيجاد آلية لمراقبة تحركات الأجانب وكتابة تقارير دورية عن تحركاتهم ومناشطهم في المنطقة وتقوية الوجود العسكري والأمني الوطنى المكثف بالمنطقة لمراقبة الوجود الأجنبي وتحركاته وعلاقته بالحركات والمواطنين ، وإيجاد آلية للوصول إلى المعسكرات، وعدم تركها للأجانب والحركات.

سارة تاج السر :الصحافة

Exit mobile version