ديوك ميتة وقباضات

[JUSTIFY]
ديوك ميتة وقباضات

يُحكى أن امرأة ذهبت إلى السوق لبيع دجاج، وانتظرت من الصباح إلى الظهر ولم يأت أحد للشراء وبينما هي كذلك اقترب شخص منها، وقال لها: بكم هذا الدجاج؟، فذكرت له ثمنها، وقالت له الدجاج كله جيد ماعدا هذا الديك يكاد يموت، قال لها الرجل: سأشتري منك القفص بكامله وبالسعر الذي تريدينه، ثم تناول القفص منها وأخرج منه الديك وأعطاه لها، وقال خذي هذا الديك قباضه (أي تأمين ) حتى آتيك بالنقود، ثم حمل القفص وما به من دجاج بياضة وفراريج وغادر المكان بسرعة، انتظرت المرأة حتى آذان المغرب ولم يأت الرجل بينما مات الديك بين يديها، ولما أستيأست غادرت المكان بعد أن ألقت بالديك الميت. وصلت منزلها فسألها زوجها هل بعتِ الدجاج، فأجابته: نعم بعته، لكنني لم أقبض ثمنه، وحكت له القصة، فغضب غضباً شديداً، وقرر أن أن يطلقها بشرط أن لا يجد امرأة أغبى منها.
خرج إلى الشارع يبحث، وبينما هو كذلك، تناهى إليه حواراً بين رجلٍ وزوجته، كانت الزوجة تسأله عن مواد غذائية أحضرها، وكان (رمضان على الأبواب)، سألت الزوجة: ماذا نفعل بكل هذه الأغراض، فقال لها: إنها لرمضان، فتربص الرجل بالجوار وانتظر حتى خرج الزوج، فطرق الباب، فسألت المرأة، من الطارق؟ قال: أنا رمضان جئت لأخذ أغراضي، فناولته لها.
الحوار مع المعارضة أمرٌ ضروري، لا شك، ومحاربة الفساد الضارب أطنابه والمستشري في كل شبر أمر أكثر إلحاحاً، وإطلاق الحريات كلها واجب لا مناص عنه للخروج عن المأزق الراهن، لكن فيما يبدو أن الحوار الراهن دار بين الحكومة وأحزاب الحكومة، ولم يدر بين الحكومة والمعارضة، فيما عدا الشعبي الذي كان جزءاً أصيلاً من المؤتمر الوطني، وعودته الراهنة إلى الحوار بدت لكثيرين أشبه بهروب الرجل من زوجته (الأولى) بحثاً عن أخرى أقل غباء، ولمَّا أعياه البحث عاد إلى بيته بأغراض رمضان.
حزبا الأمة والاتحادي، يبدوان (كديك ميت)، يستخدمهما الوطني كــ(قباضة)، أما جبهة الشرق وفروع الحزبين الكبيرين وبقية الأحزاب ذات الجعجعة بدون طحين، فتبد مثل أغراض رمضان التي أودعها الزوج لدى زوجته الغبيّة، فسرعان ما سيأتي آخر ويأخذها كلها.
لذلك، فإن الحوار لن يفضي إلى نتيجة جدية، ما لم تضم إليه كل أطياف المعارضة، بما فيها المسلحة، لأنه ما لم توقف الحرب، فلن يجدي الحوار نفعاً، ولن يأتي ثمرا، وبرأيي أن الحكومة ينبغي لها أن تخطو خطوات أخرى على الصعيد الإصلاحي الداخلي وتحقق فيه انجازات ملموسة، فتجبر المعارضة المسلحة إلى الجلوس إليها للنفاوض، وأهم تلك الخطوات هي إطلاق الحريات كلها، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي فوراً، ومحاربة الفساد فوراً، وتحرير الخدمة المدنية من قبضة التمكين، ومراجعة معايير سياسيات التوظيف على أن يكون المؤهل هو الحاسم في الاختيار للوظيفة، ومحاربة أشكال القبيلة النتنة كافة، وإسكات الأصوات العنصرية بقوة القانون.
وما لم، فإن نتيجة الحوار مع هذه الأحزاب ستجعل الوطني نفسه مثل ذاك الرجل الذي غضب بسبب غباء زوجته، ليفرح بسبب غباء زوجة جاره.

[/JUSTIFY]

الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي

Exit mobile version