** ثم عصر ذاك اليوم ، الخميس الفائت ، تلقيت إتصالا هاتفيا من رجل أعمال سوداني ، لم أستأذنه في ذكر إسمه ، بيد أن بصمته واضحة فى مجال الصناعات الغذائية ، قرأ ما في تلك الزاوية وتحذيرها ، فاتصل وتحدث نصا : نعم ، إتفق معك في توظيف العمالة الوطنية ، ولكن للأسف عمالتنا الوطنية لم تعد قدر التحدي الذي نواجهه والمنافسة بانتاجها في الاسواق المحلية والإقليمية تكاد تكون مستحيلة .. العامل الوطني يا ساتي أولا : كسلان ومهمل ومتسيب ومحبط ..ثالثا : ليس له طموح فى تأهيل نفسه ..رابعا : غير منتج بسبب الغياب الكثير بأعذار مضحكة من شاكلة : عرس أخوي ، مرض حبوبتي ، طهورة بنات عمتي ، جدي جا من الحج ، خالتي عندها عملية ، كرامة ود عمي ، كنت عندي شوية مغص ، شالتني نومة و..و..هكذا ، وهذه الأعذار معيبة عند العامل الأجنبي ولا يفكر فيها إطلاقا ، ولايزحمك بها ، عكس العامل السوداني الذي يرغمك على متابعة تفاصيل حياته الخاصة وحياة أسرته وأقاربه ومعارفه وجيرانه ، ويثقل بكل تلك التفاصيل كاهل عمله والعاملين معه ، وهذا يؤثر سلبا في الإنتاج ..!!
** ثم أن العامل السوداني – الحديث لرجل الأعمال – قليل العطاء وكثير الطلب ، أى نادر جدا أن تجد عاملا يعمل كل ساعات عمله ، حيث غالبا ما يأتي متأخرا لظرف ما – جاهز طبعا – ثم ساعة للفطور ومثلها للشاي والتمباك والسجائر والونسة ، وساعة لصلاة الظهروالباقيات الصالحات وإحتمال تكون معاها تلاوة كمان ، وساعة لتفقد الأحوال وجمع الشمارات التي من شاكلة : فلان الليلة غائب ولا شنو ؟ ..ياخى اليومين ديل الزول عريس جديد ..ياخى معقول ؟ عرس تانى ولاقصدك شنو ..؟..كيييف ، أنت ماسمعت الشمار ده ولا شنو ؟..و..و..هكذا معظم ساعات العمل عند العامل السودانى ، والله يا ساتى أنا مرة مشيت المصنع نص النهار ولقيتهم موقفين العربات وبينادو في بعض عشان يركبوا ، سألتهم : فى شنو ياجماعة ، إن شاء الله خير ، إضراب ولا شنو ؟.. واحد فيهم رد بكل براءة : إضراب شنو يا عمك ، ماشين لى جلال الماسك الحسابات ، الليلة العقد بتاعو وعازمنا غداء ..إتخيل نص المصنع كان ماشي يحضر عقد جلال ، لو مارجعتهم ..!!
** وهكذا بعض حال العامل السوداني ، صديقي القارئ ، كما جاء على لسان الأخوين ، أستاذ سعد ورجل الأعمال الذي تحدث كثيرا ، ولكن إكتفيت بتلك المضحكات المبكيات ، وحديثهما واقع معاش .. وللأسف هذا الواقع جزء من ثقافتنا السودانية ، وعليه يصبح لسان حال العامل السوداني جزء من لسان الحال العام ..نعم ، نحن لانقدس العمل ولا ننافس على الإنتاج ، وأولوياتنا كثيرة ولكن آخرها: العمل المخلص وبذل الجهد .. ولهذا يصفنا الآخرون بالكسل ، ونغضب .. نغضب فقط ولا نبرهن لهم نشاطنا .. العامل السوداني مرغوب بالخارج ، لأنه مخلص وأمين ووقته للعمل ، ولكن العامل السوداني لم يعد مرغوبا فى بلده لأنه كسلان ومهمل ومتسيب وكثير الغياب والأعذار ، أوهكذا الصورة كما تبدو.. هل سوء الإدارة هو السبب ..؟… بمعنى أن إهمال العامل ناتج من إهمال الإدارة ، وكذلك هذا التسيب من ذاك التسيب ، هل هكذا الامر ..؟.. أم الأجر هو السبب ..؟.. بمعنى أن المقابل ضعيف ، ولا يفى متطلبات الحياة الكريمة ، ولهذا نتسيب ونهمل ونغيب .. يجب البحث عن أسباب هذا الداء ، ومعالجته .. فالبلد في بدايات النمو ولم يستغل كل النفط بعد ، ما لم نعمل بجد وإخلاص سيأتي الأجنبي ليعمل .. وقت العمل لا ينتظر ، ما لم تملأ العقول السودانية وسواعدها هذا الوقت ، فإن عقولا أخرى وسواعد أخرى ستأتي وتملأ ، ويومها سيصبح حالنا كما الآخرين ، دولة غنية وشعب خامل .. يجب التفكير فى هذا الداء ، لنجد حلا سودانيا .. فالبنغالي ليس حلاً ، بل هو أيضا ..( داء ) …!!
إليكم – الصحافة السبت 04/04/2009 .العدد 5664