أحد الرؤوساء وأظنه القذافي ولا أجزم فقد يكون رئيساً آخر، كان هو أول من عزا سبب تفجر أزمة دارفور الى أحد الإبل بقوله إن سبب الأزمة جمل، ولكن الثابت سواء كان من قال بذلك هو القذافي أو غيره، أن كثير من القيادات الحكومية قد تبنت هذا الرأي وروجت له، منهم على سبيل المثال الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل الذي وثق كتابة لذلك بقوله إن أزمة دارفور مبعثها نزاع قبلي وقع بسبب جمل سرق من منطقة كرنوي بشمال دارفور، ودارت بسببه معركة بين مجموعتين من قبيلتين مختلفتين سقط فيها قتلى، ولم يتم الوفاء بدفع الديات اللازمة لما أريق وأهدر من دماء لأهل القتلى. وقبل هذه الحادثة كانت قد وقعت حادثة أخرى بإحدى مناطق غرب دارفور، هجمت فيها مجموعة قبلية مسلحة على قافلة تنتمي لقبيلة أخرى، وقتلت المجموعة المغيرة القافلة بكاملها، وفيها ستة من أعيان القبيلة التي أغارت عليها ، مما أدى إلى انفراط الأمن في المنطقة وأنذر بتفجر فظيع للأوضاع بكافة أنحاء دارفور، ثم توالت الأحداث عاصفة وتدهورت الأحوال بالإقليم واضطربت، ثم كان من أمره ما كان إلى يوم الناس هذا… ليس من همنا هنا تضعيف أو تعزيز رواية الجمل، بقدر ما يهمنا حتى لو صحت حكاية الجمل هذه، التذكير بحقيقة تاريخية مثبتة تؤكد أنه ليس بالضرورة أن تكون الأسباب المباشرة للمعارك والحروب الكبيرة،كبيرة هي أيضاً بل في الغالب تكون صغيرة وربما تافهة والأمثلة لا تحصى، وكما قيل (معظم النار من مستصغر الشرر) والممتلئ غبناً وغضباً يمكن لشكة دبوس أن تجعله ينفجر، وعليه إن كان لهذا الجمل نصيب في الأزمة فلن يكون أكبر من حجم رأس جبل الجليد وهو فقط جزء صغير من جبل الأزمة لا ينبغي البناء عليه عند البحث عن الحلول… على ذكر الحلول سمعت الأخ حسين خوجلي في برنامجه الذائع يختزل حل مشكلة دارفور في توفير الماء وجعله يجري مدراراً في أرجاء هذا الإقليم العطشان المتعطش للماء، حسين طرح حله هذا بكل ثقة وعززه بافادة تفيد بنجاعة هذا الحل قال أنه أفادها من خبير مياه، وفي تقديري أن حسين وخبيره المائي قد وردا في حلهم لمشكلة دارفور ذات المورد الذي وردته الحكومة في تفسيرها وتعليلها لسبب المشكلة، الحكومة قالت إن السبب كان جملاً ولم تقل الماء، وحسين والخبير يقولان المشكلة في الماء وحلها في الماء ولم يقولا الجمل، وقول الحكومة وحسين والخبير ليسا خاطئين تماماً ولا هما أيضاً صحيحين تماماً بل فيهما شئ من الصحة وليس كل الصحة، وكما قلنا عن جمل الحكومة نقول عن ماء حسين، صحيح أن شح الماء وندرته في أجزاء واسعة من دارفور من منغصات المعيشة المثيرة للضجر والغضب، وفي توفرها ما يدعو للارتياح والانتعاش؛ ولكنها لم تكن يوماً سبباً لحمل السلاح ومقاتلة المركز، لا في دارفور ولا حتى كردفان العطشى التي نظم لها الرئيس نميري حملة قومية لمكافحة عطشها… وليكن الجمل جزءاً من المشكلة ولتكن الماء جزءاً من الحل ولكن لا هذا كل المشكلة؛ ولا تلك كل الحل…
[/JUSTIFY]
بشفافية – صحيفة التغيير
حيدر المكاشفي