:: جريمة إعتداء الموظف العام على المال العام، يُعاقب عليها القانون الجنائي – ما لم يكن قد تم تعديله والناس نيام – بالسجن أو بالسجن والغرامة أو بالإعدام، حسب تقدير المحكمة لحجم الجريمة..هكذا النصوص العقابية التي يجب أن تطبقها أجهزة الدولة النيابية والعدلية – بالعدل والمساواة وبلا محاباة أو محسوبية – على المعتدين..لم تشمل تلك النصوص عقاباً من شاكلة ( التسوية) أو (الجودية)، بحيث ينفذ عبرها المدان من دائرة العدالة بلا عقاب..ولكن، للأسف، ما يحدث في دهاليز نيابة الأموال العامة (شئ مريب) ولا يمت إلى العدالة بأي صلة، ويصلح وصف هذا الشئ المريب بقانون ( الخيار والفقوس)، أي إذا سرق الضعيف ( حاكموه) و إذا سرق النافذ في الحزب أو الخدمو المدنية ستروه ب ( التسوية ) و ( الجودية)..!!
:: ولكي لايكون هذا الإتهام الخطير ( طق حنك ساكت)، وعلى سبيل المثال فقط لاغير ، أي من أحد عشر بلاغ موثق بطرفنا، نحكي وقائع البلاغ التالي .. أحدهم ، موظف عام و نافذ بخدمة عامة، إختلس مرتبات العاملين بجامعة النيلين، ثم إعترف بهذا الإختلاس بعد أن واجهته الشرطة عند التحري والتحقيق عبر البلاغ رقم (200/ 2008).. بعد الإعتراف، قدمته الشرطة إلى نيابة الأموال العامة، وشطبت النيابة الدعوى ضده بتسوية مفادها ( خلاص، حصل خير، رجع القروش)..هكذا، خرج الموظف – زي الشعرة من العجين – من النص العقابي للمادة (177/ 2 ق ج).. بهذه المادة حق عام، بحيث لايجوز فيه التسوية إطلاقاً، حتى ولو إستردت النيابة (كل الأموال) ..!!
:: للجودية والمحسوبية في قضايا إختلاس المال العام ( مخاطر).. والدليل على ذلك، عودة هذا الموظف لى جامعته ليواصل عمله ( زي الما حصل شئ)..قانون العمل يمنع مثل هذه العودة، ولكن حين تتم الإدانة بالمحكمة وليست بالإعتراف ثم إسترجاع المبلغ المعتدىى عليه بالجودية والتسوية، أو كما حدث.. المهم عاد الموظف الى منصبه بذات الجامعة، وليته عاد مثالياً وتائباً، بل – للأسف – عاد ليرتكب ذات الجريمة ( إختلاس أيضاً).. نعم، فالبلاغ الذي يحمل الرقم ( 68/ 2008)، بنيابة الأموال العامة ذاتها، طرفها هذا الموظف ذاته في قضية إختلاس رسوم الطلاب، ولا تزال الشرطة والمراجع العام في حالة حصر وجمع المبلغ المعتدى عليه بجامعة النيلين..هذا لايحدث إلا في بلادنا، بعد الإعتداء الأول باعترافه، خرج من دائرة العقاب بالجودية المسماة بإسترجاع المبلغ، ولذلك ليس في الأمر عجب بأن يكرر الإعتداء..!!
:: وكما قلت، هذا مجرد نموذج من نماذج ( وأد قانون المال العام)، وعلى سطح المكتب ( حزمة نماذج تصيبك بالغثيان)، وكلها تنتهك المادة ( 177/ 2) وما فيها عدم تهريب الموظف العام – بعد الإعتراف النيابي أو الإدانة القضائية – من العقاب (مهما كان الثمن)..كان لوزارة المالية بالخرطوم بلاغاً بالرقم (11499/2009)، وتم شطب الدعوى في مواجهة المتهم بجودية ( باركوها ياجماعة، خلاص الزول رجع القروش)..وكذلك لديوان الضرائب بالخرطوم بلاغ بالرقم (14000/ 20011)، ثم لمحلية الخرطو م بالرقم (23/2013)، وللخطوط الجوية السودانية بالرقم (9546/2010)، ولهيئة البركة للخدمات الاستهلاكية – دي شنو كمان؟ وتابعة لى وين؟ وبالنهارشغالة شنو؟- بلاغ بالرقم (43/ 2013).. و..و..!!
:: الزاوية لن تسع البلاغات التي تم شطبها- بعد إعتراف المتهمين- بجودية ( خلاص، حصل خير، ح نرجع القروش)..كلهم من ذوي المناصب الرفيعة والمسؤولة بالخدمة العامة، تم تهريبهم من العقاب بقانون ( اسرق و رجع القروش عند اللزوم)..وعليه، نطالب وزارة العدل بلجنة تحقيق ومحاسبة تعيد الأمور إلى نصابها بحيث تساوي الناس أمام القانون، ولن تتدخل الوزارة بالتحقيق والمحاسبة..ولذلك، نقترح للبرلمان تعديل القوانين بحيث تمنح الناس – كل الناس – حق إرتكاب جريمة الإعتداء على المال العام ثم إيداع الأموال المنهوبة في شهامة عاماً وبالمصارف عاماً آخر لتربح، وبعد ذلك يعترفوا بجرائمهم ويوردوا الأموال المنهوبة في خزينة النيابة، ثم يخرجوا من قاعة النيابة أبرياء كما ولدتهم أمهاتهم و( ينوموا بالأرباح)..!!
[/JUSTIFY]
الطاهر ساتي
إليكم – صحيفة السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]