قبل انعقاد ملتقى أم جرس الثاني بيومين ثلاثة، لفت نظري ما أولته بعض صحفنا من اهتمام بالغ واحتفاء مبالغ فيه بهذا الملتقى، ما أن أتصفح صحيفة من هذه الصحف الا وأجد بين طياتها أكثر من كاتب كبير يقرظ هذا الملتقى ويعلي من شأنه بل يكاد ينظم فيه درراً غوالٍ من الشعر، فحيرني ذلك وجعلني أتساءل بيني وبين نفسي، هل هذه حملة مدبرة ومتفق عليها، أم أن كتابنا الكبار هؤلاء قد ملكوا معلومات وافرة وتفردوا بالاطلاع على أسرار خطيرة دفعتهم لأن يسوِّقوا لنا هذا الملتقى ويروِّجوا له بهذه الكيفية ويمنونا به الأماني، حتى أني ظننت أن أم جرس هذه سترفدنا بحلول محمولة جواً لهذه القضية التي استعصت واستطالت، وأنها ستأتي لنا بما لم تأتِ به الأبوجات والدوحات نسبة للعاصمتين النيجيرية والقطرية اللتين شهدتا عدة لقاءات واتفاقات سابقة بعضها ذهب إلى ذمة التاريخ وبعضها ما زال يراوح مكانه كالمنبت لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع، ولكن بعد نهاية الملتقى وإذاعة بيانه الختامي وتلاوة توصياته، اتضح أن أم جرس قد خدعت البعض وخذلت الجميع ولم تتمخض عن أي جديد ينقل القضية ولو خطوة إلى الأمام، وكان كل ما قيل فيها من قبيل القديم المعاد… الحقيقة أنني منذ خطاب الوثبة الأول لم أعد أرى جدوى أو قيمة لأي لقاءات وملتقيات وحوارات ثنائية تبعض القضية السودانية، وتعمد إلى تقسيمها إلى جهويات وقبائليات، هذه قضية دارفور وتلك قضية النيل الأزرق وجبال النوبة، وهذا ما يخص حركات دارفور وذاك يخص قطاع الشمال وهكذا دواليك، هذا طبعاً اذا كان خطاب الوثبة بدعوته الشاملة للحوار الجامع المفتوح غير المستبق بشروط من هنا أو هناك، كان خطاباً جاداً وصادقاً في جمع كل الفرقاء الى طاولة واحدة ليجتمعوا ويجمعوا على كلمة سواء، تقيل البلاد من عثراتها وتلم شعثها الذي أوشك أن يتفرق أيدي سبأ،فاذا كان الحوار الوطني المأمول والمنتظر هو كذلك، فما الداعي إذن للذهاب الى أديس أبابا أو أم جرس بحثاً عن حلول مجتزأة لقضايا جزئية، ما دامت كل قضايا البلد ومشاكلها وغبائنها ومظالمها ستطرحعلى بلاطة على طاولة الحوار الجامع وبمشاركة الكل بلا استثناء أو عزل، لماذا لا يلتقى قطاع الشمال والجبهة الثورية والحركات وكل معارض بالداخل والخارج مع الحاكمين والمتوالين هنا داخل الخرطوم ليتحاوروا ما شاء لهم الحوار، بدلاً من هذه الجولات الحوارية الخارجية الثنائية المكوكية التي لم تسفر على كثرتها عن شئ فحسب بل أثبتت فشلها، وإلى متى نظل نتعاطى مع قضايانا بعقلية أبا يزيد البسطامي الذي قيل أنه لما ساءه ما آل اليه حال بلده بسطام، خرج منها يضرب في الأرض بحثاً عن الحق والحل والحقيقة، فصادفه من سأله عما أخرجه من دياره، وعندما أعلمه به نصحه قائلاً عد إلى ديارك فما خرجت من أجله تركته خلفك في بسطام، فانتصح أبا يزيد بما قاله الناصح وعاد إلى دياره ولزم بيته فَفُتح له، فحالنا حتى الآن يبدو كحال الطفل الغشيم الذي يراد تعريفه على أجزاء جسمه فيمسك بيده اليمنى أذنه اليسرى عندما يُسأل أضانك وينا …
[/JUSTIFY]
بشفافية – صحيفة التغيير
حيدر المكاشفي