أساطير الأنهار”والحنين إلى ضفاف السلام والعدالة

[JUSTIFY]
أساطير الأنهار”والحنين إلى ضفاف السلام والعدالة

* حضر إلى مكتبي في الصحيفة وهو يحمل نسخاً من روايته “أساطير الأنهار”، طلب مني أن أوصلها إلى غسان سعيد قبل أن يعود إلى أستراليا، بعد أن نبهني بأن لوحة الغلاف من أعمال غسان.

* طلبت من غسان أن يعطيني نسخة من الرواية، لكنني لم أكن متحمساً لقراءتها بسبب انطباعي، أعترف أنه من أخطائي التي منعتني في كثير من الأحيان من قراءة كتابات وكتب لمجرد موقف مسبق من الكاتب.

* في هذه الأيام التي يتمدد الوقت في حياتي اليومية أصبحت أرجع إلى مكتبتي التي تضم كتباً لم أطلع عليها، سحبت من وسط الكتب المكتظة على أرفف المكتبة هذه الرواية لمؤلفها عباس علي عبود، وما أن بدأت في قراءتها إلا واكتشفت أنني أمام عمل روائي يستحق القراءة والتأمل والتحليل.

* الرواية المحشونة بالأحداث والشخوص والأمكنة والمسافات المتباعدة المتداخلة تحكي جانباً من مأساة الإنسان السوداني المتنازع بين النهر والصحراء والمرافئ البعيدة التي يهاجر اليها بحثاً عن الأحلام غير المتحققة في واقعه.

* تتداخل الأحداث في الرواية بين الأسطورة والواقع في جنوب السودان (القديم) ودارفور والموت المجاني الذي لم يترك فرصة للأحلام أن تتحقق، حجر السقا – أحد شخوص الرواية- كان يتنهد وهو يسترجع مباهج الحياة في الجنوب.

* ألويل حجر السقا عادت إلى الوطن لتلملم أحزانها لكن سرعان ما داهمتها الأسئلة الحارقة، ألويل عادت إلى الوطن بشوق جارف لأهلها، الجدة داعبت حفيدتها وهي تسأل ابنتها : هل أولادك يعرفون لغتنا؟، ينتقل الراوي بعد ذلك إلى الساحة الخضراء ليصف لنا الاحتشاد الكبير العفوي للزعيم “جون قرنق” بعد ان جنح للسلم، وكيف عاد حجر السقا إلى البلده وقد تفتقت براعم الأمل في صدره.
* محجوب السر الذي خرج من السجن كانت في استقباله ألويل حجر السقا، لكنه كان على موعد مع السفر إلى امستردام وهو يقول في نفسه: لم أطلب المستحيل، طلبت العدل ولم أدركه.. بعدها وقف أمام محكمة أمستردام ليعلن تنازله عن جواز السفر الهولندي، وفي المحكمة كانت تقف إلى جانبه سارة أبراهام.

*محجوب السر عاد من أرق الحنين إلى أتون الحزن والارتباك في أرض الوطن، كعادته في الانتقال من حدث إلى حدث ومن مكان إلى آخر ينتقل الراوي إلى القاهرة لينقل لنا مشهد اعتصام بعض السودانيين في حي المهندسين، وكيف أن محجوب السر ضرب في التيه مع رفاقه الذين اجتازوا الحدود إلى إسرائيل!!.

* في قاعة المحكمة في إسرائيل قال لهم: لقد توحشت حضارتكم وافترست أوطاننا واستباحت تأريخنا، وأعلن بجرأة سودانية: لست نادماً ولستم قضاتي، سارة إبراهام وقفت لتدلي بشهادنها وهي تتساءل: كيف تمارس الديمقراطية بلا قضاء عادل.

* ألويل حجر السقا عادت إلى الوطن لتلملم أحزانها لكن سرعان ما داهمتها الأسئلة الحارقة، فهل تعود إلى بريطانيا رغم مأزق الهوية.. عادت ألويل إلى لندن وهي تقول: قد يصبح أبنائي جزءًا من هذه المنظومة أما أنا فأحن إلى الضفاف.
*في روايته “أساطير الأنهار” التي ألفها قبل انفصال الجنوب وقيام دولته المستقلة طرح عباس علي عبود سؤال الهوية لكنه وضع مبضع الجراح على مكمن الداء عندما ختم روايته قائلاً: ملايين الفلاحيين الفقراء هجروا قراهم ونزحوا إلى المدن بعد أن دمر الاقتصاد الجديد سبل معيشتهم القديمة دون أن يقدم لهم البديل، فاحتدم التوتر الرهيب بين مركزية الدولة واقتصاد السوق.
[/JUSTIFY]

كلام الناس – نور الدين مدني
[email]noradin@msn.com[/email]

Exit mobile version