يحيِّرني أمر هذا الحوار الوطني الجامع المزمع، فمنذ إعلانه قبل شهرين بالتمام والكمال ما زال الحال يراوح مكانه، لا شئ ولا حركة سوى المحركة التي جعلت الناس كل الناس الذين ينتظرون بآمالٍ عراض ليس التئامه صورياً فحسب، بل أن ينتهي إلى توافق وتواضع على ما ينتشل البلاد من وهدتها وهمودها ووكستها، ويبدل حالهم خيراً من الحال المايل الذي هم عليه، جعلتهم هذه المحركة يصابون بداء الشحتفة وحراق الروح، الأمر الذي أزهدهم فيه قبل أن يبدأ، هذا اذا قُدِّر له أن يبدأ، فبقدر ما انتعش فيهم شئ من الأمل في قادم أحلى، وأعدل، وأفضل، في أعقاب القاء خطاب الوثبة الأول رغم لغته الحويطة والغميسة، أصابهم بعد ذلك وابل من الاحباط والابتئاس لما لم يروا الا المماحكة تحل محل الحوار، والمؤسف أن كل هذا الذي يحدث من لكلكة ومحركة وتباطؤ لا يتناسب مع حاجة البلاد العاجلة لما يلم شعثها المبعثر؛ ويلملم أطرافها الموشكة على التداعي؛ ويدرك ويستدرك حالها المتداعي، وهو حال على كل حال لا يملك من يعانونه ترف الانتظار وانتظار المطاولات والمداورات والجرجرة والمط، ولا ندري سبباً يجعل من خطوة اجرائية هي مجرد التقاء وجلوس فرقاء على طاولة لادارة حوار فيما بينهم بكل هذه الصعوبة والاستعصاء، فماذا سيكون إذن مصير ومحصلة الحوار نفسه اذا انعقد…. جاء في الأثر أن مولىً من الموالي لعائشة بنت سعد بن أبي وقّاص، كان من المغنين المجيدين، وكان يجمع بين الرجال والنساء، أرسلته عائشة مرة ليأتيها بنار، عند خروجه في طلب النار وجد رهطاً من القوم ذاهبون إلى مصر فنسى ما خرج في طلبه وانضم إلى ركبهم، وصل مصر وأقام بها سنةً كاملة، عاد بعدها إلى الديار وأسرع فأخذ ناراً وصار يعدو إلى دار عائشة فعثر في الطريق وسقط وتبدد الجمر فقال: تَعِسَتِ العَجلَة. فذهبت مثلاً. ومن أمثالنا الشعبية السودانية التي تعبر بطريقتنا السودانية عن معنى مقولة ذاك المولى، هو رسلوها للموس جات لقت بتها عروس، ومؤداه أن هذه المرأة الحوامة اللواجة التي ضرب بها المثل، طلبت منها الخاتنة احضار موس من السوق لعملية ختان بنتها، ولكنها خرجت ولم تعد ولم يعثر لها على أثر أو خبر لسنوات متطاولة، وحين عادت وجدت بنتها عروس، أليس مثل حال ذاك المولى صاحب عبارة تعست العجلة وحال مواطنتنا السودانية صاحبة الموس، هو حالنا ذاته مع هذا الحوار الوطني المزمع والذي سيبقى بنظرنا مزعوماً حتى يثبت العكس….يبدو أن الحكومة وحزبها في سعة من الدعة والراحة وهدوء البال؛ ليسا منزعجين من الحال ولا هما في عجلة من أمر الحوار الوطني، بل أظن أن لسان حالهما يردد مقالة مولى عائشة بنت سعد تعست العجلة ….
[/JUSTIFY]
بشفافية – صحيفة التغيير
حيدر المكاشفي