على غير العادة.. فرغت يوم الجمعة أمس الأول- من كتابة عمود حديث المدينة الذي كان يفترض أن ينشر اليوم (الأحد).. وكان يتناول ما دار في جلسة مجلس وزراء ولاية الخرطوم التي عقدت يوم الأربعاء الماضي.. لكنني تذكرت فجأة أمراً جعلني ألغي (العمود) وأبدأ كتابة بديل آخر هو ما تطالعونه الآن..
سبب إلغاء العمود الأصلي.. أنني تذكرت أن مشاركتي وحضوري اجتماع مجلس وزراء ولاية الخرطوم كان بدعوة من وزير التخطيط العمراني.. بصفتي عضواً في لجنة استشارية إعلامية خاصة كونها المرحوم المهندس عبد الوهاب عثمان طيب الله ثراه – قبل حوالي سبع سنوات.. لتقديم المشورة الإعلامية للوزارة.. واللجنة تضم نخبة من كبار الصحفيين المعروفين وأكاديميين وخبراء متخصصين.
القاعدة المهنية التي أؤمن بها وأطبقها على نفسي.. أنه في حال المشاركة بصفة (غير!) صحفية في أي منشط ترتب عليه الحصول على المعلومات.. فإن هذه المعلومات لا يجوز استخدامها صحفياً مهما كان.. إلا بموافقة صريحة من الجهة صاحبة المنشط أو المعلومات..
قبل عدة أعوام شاركت ولبضع سنين في عضوية (لجنة الشكاوي) في المجلس الطبي.. وبحكم حضوري لجلسات الاستماع التي تحقق في شكاوى المرضى حصلت على معلومات وفيرة جداً – ومع ذلك لم أستخدمها مطلقاً صحفياً.. إلا مرة واحدة بموافقة وإذن صريح من الأمين العام للمجلس الطبي آنئذ – الدكتور إمام الصديق.. ولقضية واحدة بعينها.
عندما كنت أكتب عمود حديث المدينة في صحيفة (الرأي العام) الغراء.. تطرقت مرة لقضية (طريق الإنقاذ الغربي).. في نهاية العمود وعدت القراء بمواصلة النشر في اليوم التالي.. اتصل وزير العدل حينها مولانا علي محمد عثمان يسين وطلب مني الحضور إلى مكتبه.. فوجئت به يخرج من درج مكتبه ملفاً ضخماً فيه تفاصيل قضية الطريق.. وقال لي: “سأضع أمامك كل تفاصيل القضية.. بشرط واحد.. أي معلومة أذكرها لك.. ليست للنشر.. في إمكانك الاستمرار في نشر معلوماتك أنت التي تجمعت لديك من مصادر أخرى.. لكن ما أقوله هنا ليس للنشر بأي حال من الأحوال..” وتبرع الوزير بمعلومات كثيرة ومهمة..
رجعت إلى مكتبي لمواصلة كتابة العمود.. فوجدت صعوبة بالغة في تذكر أي المعلومات كنت أعلمها.. وأيها كان من حصيلة ما تفضل به الوزير.. فشلت تماماً في التمييز بينها.. فاتبعت القاعدة الفقهية (دع ما يريبك.. إلى ما لا يريبك..) فتركت الموضوع كلياً.. فالأفضل الخطأ في (عدم النشر).. بدلاً عن الخطأ في النشر..
هذه السطور أكتبها للزملاء من شباب الصحفيين.. الالتزام المهني الصارم بشروط التعامل مع المعلومات الصحفية أمر من صميم أخلاق وشرف المهنة.. والقاعدة الأولى: مصدر المعلومات له مطلق الحق في (تقييد) التصرف جزئياً أو كلياً في المعلومات التي يتبرع بها.. كأن يطلب نشر المعلومة مع عدم الإشارة لاسمه.. أو حفظ المعلومة في (خلفيات) تفكير الصحفي وتحليله دون نشرها.. أو أي قيود أخرى.
القاعدة الثانية: إذا حصل الصحفي على معلومات نتيجة مشاركته أو عمله (بغير!!) الصفة الصحفية فإن هذه المعلومات تخرج تماماً من حيز الاستخدام الصحفي.. ولا يجوز نشرها إلا بموافقة صريحة من الجهة صاحبة المعلومات..
حديث المدينة – صحيفة اليوم التالي
[Email]hadeeth.almadina@gmail.com[/Email]