بين المحجوب وخلف الله بابكر

[ALIGN=CENTER]بين المحجوب وخلف الله بابكر .. !![/ALIGN] * صديقنا حيدر المكاشفى صاحب العامود المقروء ( بشفافية ) فى الزميلة ( الصحافة) الغراء ، اراد ان يحتفى برسالة بعث بها اليه احد قرائه ، فكتب كلمة ترحيب قصيرة بها، اشار فيها الى انتماء صاحبها الى اقليم كردفان الجميل الذى كتب فيه السياسى ورئيس الوزراء السابق والاديب والشاعرالعملاق محمد احمد المحجوب ، اجمل الشعر – وهذه حقيقة لا ينكرها احد ، ولكن صديقنا حيدر .. ( طبز طبزة كبيرة ) عندما اورد كمثال على ذلك، بيت الشعر المشهور :
الناس مرقدها النهود وانت مرقدك الخوى
وهى بالتاكيد معلومة خاطئة تماما ، فالمحجوب لم يكن صاحب هذا البيت والقصيدة التى تضمه كما لم يكن للسياسى الراحل مبارك زروق علاقة بالمناسبة التى قيلت فيها القصيدة، وانما كتبت مداعبة للمحجوب ، وسنتعرف على كاتبها ومناسبتها بعد قليل !!
* أخونا الصحفى ( الطيب النضيف) انتبه الى خطأ حيدرفيما يتعلق بعلاقة مبارك زروق بالقصيدة ، ولكنه، كما نقول..( جا يكحلها عماها ) ، حيث اشار فى تعقيب نشره فى عامود حيدر، الى ان القصيدة قيلت فى اطار المداعبات السياسية بين المحجوب والصادق المهدى فى نهاية حقبة الستينيات من القرن الماضى، وذكر فى ذلك قصة طويلة مليئة بالخيال والاخطاء التاريخية ، ليس هذا مجال سردها، نسب فيها احد شطرى البيت للمحجوب والشطر الثانى للصادق المهدى ، وهو ما لم يحدث البتة ، والمعلومة الوحيدة الصحيحة التى ذكرها فى هذا الجانب هى عدم وجود اية علاقة لمبارك زروق بها، ولكن ليس بسبب وفاته قبل نظم القصيدة، كما ذكر النضيف ، فلقد كان حيا عندما قيلت فى عام 1951 ، ومات بعد ذلك باكثر من اربعة عشر عاما ، وانما لعدم علاقته بالمناسبة التى قيلت فيها القصيدة !!
* صاحب القصيدة هو الشاعر والاديب والسياسى المعروف والعضو البارز فى الحركة الوطنية السودانية، ومؤتمر الخريجين ، ثم وزير الاستعلامات والعمل فى حكومة أكتوبر الاولى( 1964) ، ووزير الحكومات المحلية فى اول حكومة لمايو ( 1969) ، المرحوم خلف الله بابكر الذى ولد فى عام 1910 وتوفى فى عام 1991 ، وخلف وراءه جلائل الاعمال الوطنية والادبية ، والذرية الصالحة .
*أما مناسبتها فهى ان المحجوب عندما كان يعمل قاضى مديرية كردفان فى اوائل الخمسينيات من القرن الماضى ، قام بزيارة مدينة النهود فى مهمة رسمية، وقضى ليلة بمنطقة ( الخوى ) وحيدا إلا من خفير الاستراحة الحكومية الذى لم يكن يتحدث العربية ، وكانت تجربة صعبة بالنسبة للمحجوب الذى كان يعشق السمر والحديث وقول الشعر ، فحكاها عند عودته الى الابيض لصديقه خلف الله بابكر مدير صحة المديرية، الذى كان قد زار النهود فى مهمة رسمية ايضا بعد زيارة المحجوب بفترة قصيرة، ولكنه لم يتعرض لما تعرض له المحجوب من مشقة السفر والمبيت بالخوى وحيدا ، فكتب قصيدته المشهورة التى يداعب فيها المحجوب :
الناس مرقدها النهود وانت مرقدك الخوى
كيف احتملت وانت يا محجوب شاعرنا الأبى
بل انت من عبد الجمال وروضه الحصن العصى
ما بين ساعات الاصيل وبين ساعات العشى
يحنو عليك سميرك الرجل الخفير الاعجمى
ولنحن فى دنيا النهود سميرنا الصوت الشجى
غنى وعربد وانتشى ثم انتشى والله حى
* هذه هى القصيدة وقصتها وقائلها ، ولم يكتبها المحجوب كما ذكر صديقنا حيدر المكاشفى ، ولم يكن لها علاقة بالخصومات السياسية كما جمح خيال الاخ الطيب النضيف ، ولمن اراد المزيد من تاريخ وروائع خلف الله بابكر ، العودة الى كتاب .. ( خلف الله بابكر، حياته وشعره)، الذى نالت عنه الاستاذة نازك عبد الباقى عبد الرحمن ، درجة الماجستير فى عام 1997 من كلية التربية، جامعة الخرطوم، كما ان القصيدة محفوظة لدى اسرة الراحل بخط يده، مع قصائده الاخرى ومذكراته .
* يبقى القول، اننا يجب ان نتحرى الدقة فى مثل هذه الكتابات حتى لا نجحف فى حق احد، او ننقل معلومات خاطئة ترسخ فى ذهن القراء والاجيال القادمة ، خاصة اذا كان النشر فى مساحة مقروءة مثل عامود صديقنا حيدر المكاشفى !!

drzoheirali@yahoo.com
مناظير – صحيفة السوداني – العدد رقم: 1211 2009-03-27

Exit mobile version