الارض هنا تعنى الكثير هذا ما اكدته الانفعالات التى اجتاحت منطقة أبيي منتصف نهار الامس عقب صدور قرار التحكيم حول تبعية الارض ، صباح مختلف فى كل شئ عنوانه الترقب والصمت الذى خيم على المنطقة التى شهدت اجراءات امنية مشددة وانتشارا واسعا للاجهزة الامنية وقوات الامم المتحدة ، ولم تغب سماء أبيي ارض التناقضات عن الحدث وتلبدت بالغيوم حاجبة شمس الصباح وزارفة دموعا غزيرة كانها تبكى الانفصال الجغرافى الذى حدث بين مكونات ادمنت الاحتراب والسلام فى مابينها عبر جدلية مستمرة وعادلة فى اقتسامها لشهور العام الميلادى مناصفة بين النزاع والجلوس الى مؤتمرات الصلح .
الجميع كان فى عمق الحدث صغارا وكبارا ولم يكن هناك وتر نشاز ، السادسة من صباح الامس كانت مشابهة ليوم العيد تماما حركة مستمرة وتوتر باين سيطر على كل البيوت الكل يرتدى الثياب الجميلة ذات الالوان الزاهية وهناك من ارتدي ملابس جديدة اخرجها للاحتفاء بهذا اليوم ، المدارس اغلقت ابوابها اما الطلاب الذين تحركوا نحو مدارسهم عادوا سريعا بعد ان اعلنت لهم عطلة حتى الاثنين القادم، الحياة بالشارع صامتة تماما لا احد يتحرك كالمعتاد ، مركبات الشرطة وقوات الامم المتحدة هى التى كانت تجوب شوارع المنطقة لتضع بصماتها مبكرا الكل متسمر امام التلفاز، واخرون يتحلقون حول الاذاعة ، مقر الحكومة لم يختلف حاله عن بيوت المواطنين فالحركة فيه كانت تدب كخلية النحل الجميع يتحركون ويمضى الوقت ومعه تزداد حالة التوتر والشرود ، فى اقل من ساعة تحرك رئيس الادارية اروب مياك المنتمى لدينكا نقوك ونائبه رحمة عبد الرحمن المنحدر من المسيرية اربع مرات يمتطون عرباتهم يتجهون غربا وشرقا وجنوبا تتقدمهم عربات مدججة بالجنود وبها رشاشات فى وضع الاستعداد ، ويعودون غافلين الى المكتب لا احد يتحدث، الامر الذى انعكس على كل الكوادر الحكومية هناك .
التاسعة صباحا لا شئ مختلف سوى ارتفاع وتيرة التوتر والترقب، نائب مدير جهاز الامن بالمنطقة بدا عليه الترقب بشكل واضح على الرغم من اجتهاده لوضع ابتسامة كان الواضح منها رغبته فى ان يؤثر على من حوله ويرسل لهم علامات الاطمئنان ، حاكم شمال بحر الغزال بول ملونق بدا متوترا يدخن بشراهة ويتحرك فى كل مكان، وبجانبه رئيس المجلس التشريعى لأبيي شارلس جوك ، مستشار الامن لولاية واراب الحدودية اللواء قرنق مابيل اكثر المتواجدين هدوءا واتخذ مكانا بعيد عن تجمع المسؤولين.
عند العاشرة وعشر دقائق كانت عربات الامم المتحدة التى تتقدمها راياتهم ذات العلامة المميزة قادمة نحو مبنى الادارية تحمل بداخلها وزير الخارجية دينق الور ونائب رئيس الحركة الشعبية والي النيل الازرق مالك عقار بجانب وزيرة الصحة تابيتا بطرس ووزير الدولة بالشئون الانسانية عبد الباقي الجيلانى والناطق الرسمى للامم المتحدة اشرف قاضى لم ينتظر الجميع كثيرا خارج مكاتب الادارية رغم حرص دينق الور الذى ظهر بشكل ولياقة بدنية عالية ووجهه ترتسم عليه ابتسامة كبيرة على مصافحة الجميع فردا فردا ، قبل ان ينخرط فى اجتماع لمدة 15 دقيقة ضم كل المسؤولين بالادارية ترأسه اروب مياك وبجانبه رحمة عبدالرحمن عند العاشرة واحدى وعشرين دقيقة التحق مبعوث الرئيس الامريكى للسودان اسكوت غرايشن بالاجتماع الذى انصبت مجمل توجيهاته بالتأكيد على التزام الطرفين بما سيخرج به القرار، ابتدره دينق الور الذى اكد على ان المواقف السالبة التى ارسلها اشرف قاضى زالت تماما واعقبه عقار بالحديث للمجتمعين، بعده توجه الجميع الى مقر الامم المتحدة لمتابعة القرار هناك.
الحادية عشرة الا ربعا كان الجميع داخل مقر بعثة الامم المتحدة يجلسون داخل شلتر مصمم بشكل جذاب قوامه الحصير واعواد القنا ، وضعت بداخله شاشتان بلازما كان الغرض منهم نقل القرار عبر قناة تعمل باللغة الانجليزية والعربية الامر الذى لم يكتمل لعدم ضبط الترددات على القمر الانجليزى ليتم الاكتفاء بواحدة احتشد حولها الجميع، فى الصف الامامى جلس الور وبجانبه مالك عقار وعبدالباقى الجيلانى وعلى امتداد الصف الامامى جلس اروب ورحمة عبدالرحمن توسطهم غرايشن ، تأخر نقل القرار عن الموعد المضروب مما زاد حالة التوتر بين الجميع ، كانت بشكل اكبر تسيطر على عقار الذى اتصل اكثر من مرة عبر الهاتف طالبا من الطرف الاخر ان يسمعه ماذا يدور فى الاذاعة الان الامر الذى تسرب الى دينق الور وبدأ فى اجراء العديد من الاتصالات ، فى تلك الاثناء كانت طائرة وزير الداخلية ابراهيم محمود قد هبطت بالمدرج يرافقة نائب مدير الشرطة عادل العاجب ، هنا كان البرتكول قاسيا على اروب ورحمة وهما فى حالة ترقب وترصد لما سيأتى بالفضائيات خرجوا سريعا الى المدرج وفى اقل من خمس دقائق عادوا بالضيوف .
سلفاكير يربك الجميع
حاكم شمال بحر الغزال بول ملونق الذى كان يجلس خلف دينق الور هم بالخروج بشكل سريع واضعا الهاتف على اذنه، واشار الى الور بالخروج خلفه لم يتوان الور وقام مسرعا وخلفه كل الجالسين داخل الشلتر وخلفهم الاعلامون والكل كان يتوقع امرا اخر ليتفاجأ الجميع ان المتحدث بالطرف الاخر هو رئيس الحركة الشعبية سلفاكير ميارديت يريد الاطمئنان على الامور بأبيي ، تحدث اليه الور وترك الهاتف الى عقار الذى اطال الحديث وعادوا جميعهم الى اماكنهم وهم اكثر حماسة .
دموع وصمت
طوال الزمن الذى كان يتحدث فيه قاضى المحكمة تاليا للقرار خيم الصمت على الجميع ، ولا شئ يتحرك غير صوت فلاشات الكاميرات ، اكثر من اربعمائة شخص داخل المكان المخصص بمقر الامم المتحدة ظلوا صامتين غير الابتسامات والضحكات التى اطلقها وزير الدولة للشئون الانسانية عبدالباقى الجيلانى عند نطق كلمة أبيي من قبل الترجمة ، عقار كان يحول ارقام الطول والعرض التى تحدد الاماكن عبر اشارات من يده سريعا ويلجأ احيانا الى دينق الور متسائلا عن بعض الاشياء عن الخطوط المحددة ، عندما بدأ القاضى فى تفصيل القرار وتحديده تدفقت بعض الدموع من عيون دينق الور الذى كان طوال الوقت اكثر توترا والشئ اللافت مطالبة مبعوث الرئيس الامريكى اسكوت غرايشن بتشغيل القرار على محطة عربية .
أبناء المسيرية بأبيي حالة ترقب
تابع ابناء المسيرية بمنطقة أبيي القرار امس من داخل منزل نائب رئيس الادارية رحمة عبدالرحمن ، وكانوا فى قمة التحفز والترقب للقرار يرتدون الجلاليب بيضاء ، لكن كانت اذهانهم شاردة تماما ويترقبون الامر فى غاية التوتر ، اكثرهم توترا عضو المجلس التشريعى موسى بقادى الذى كان يجلس بعيدا بعض الشئ من الاخرين تحت احدى اشجار التلبدى .
الجميع ملتزمون
عند انتهاء صدور القرار تحدث الجميع وجددوا التزامهم بقبول القرار ، وتصافح الجميع بحميمة ، اولهم رئيس المجلس التشريعى شارلس أبيي الذى سال نائب رئيس الادارية رحمة النور قائلا نقول شنو؟ ليرد عليه نقول مبروك ليكم ولينا ، لكن رئيس ادارة الزراعة ابدى عدم قبوله للقرار كذلك سكرتير الحركة الذى قال لم نتحصل على كل اراضينا لكن التزامنا يحتم علينا القبول بالامر، هذا الشئ عبر عنه العديد من المثقفين بالمنطقة ، الا ان الحديث الذى قاله وزير الداخلية ابراهيم محمود عقب القرار قوبل بارتياح شديد من الجميع وهو ينادى بالعمل على تعويض سنوات الصراع بالتنمية الفورية .
إعلاميون في كل مكان
الحشد الاعلامى الذى تواجد امس داخل أبيي فاق التصور ففلاشات الكاميرات واجهزة تسجيل الصحفيين يخال لك ان كل صحفيي العالم هنا ،صحف من دول الجوار الافريقى ووكالات انباء عالمية ومراسلين لصحف اروبية وفضائيات وتلفزيونات ولايات جنوبية بجانب الصحافة المحلية والاذاعة والتلفزيون كلهم كانوا هناك.
اكثر الناس سعادة يوم امس داخل أبيي هم قادة الاجهزة الامنية فالكابوس الذى كان مسيطرا عليهم طوال الايام السابقة هاهى بداياته وساعات ترقبه قد ولت دون شئ مزعج والمنطقة خيم عليها الهدوء والمشاعر المتباينة .
عباس محمد ابراهيم :الصحافة