شدينا الرحال عليك ياشجر الهشاب
حراسك الغبش راكبين الدواب
ابو فاطنة الهميم جاب عليك خطاب
لا يسرح فيك بعير ولا يرك عليك غراب
فوائدك كتيرة مصران وكلى وانجاب
شاربينك لاوقفوا في صيدلية ولا اشتروا أعشاب
هذه الأبيات لعمنا الشاعر الضو محمد الغزالي من قرية المرحبيبة من ضواحي ام روابة والضو من حبه لغابات الهشاب وصمغها لقبه الأهالي بكامل شوقي ام روبة واذا جالسته ليحدثك عن الصمغ العربي وفوائده الاقتصادية والصحية والنفسية سوف تجد نفسك امام خبير حديث وتقليدي معا ويختم كلامه هامسا وضاحكا في أذنك (انت عارف أيام طق الصمغ العوين النساء- بكونن مبسوطات بسط شين اسألني أنا العندي تلاتة).
إن حزام الصمغ العربي في السودان هبة من أعظم هبات الله على السودان ولكن وآه من لكن هذه محقت هذه البلاد جعلت مخاليقها يضيعون هبة الخالق لذلك لن تصدق عينيك وأنت تجوب قرى ذلك الحزام وأنت تشاهد الفقر والفاقة والعوز والبؤس في خدمات الصحة والتعليم والماء النقي والطرق تمشي على أرجل رغم غابات الهشاب والثروة الحيوانية والمحاصيل الغذائية.
لا توجد منطقة في السودان تتناغم فيها الطبيعة مثل منطقة هذا الحزام المسمى حزام الصمغ العربي فهو في الأصل حزام سافنا حيث الإمكانيات الهائلة لإنتاج المنتجات النقدية والغذائية ففي الرقعة الواحدة يمكن أن ينتج الصمغ ويربى الحيوان ويزرع المحصول وكل واحد من هذه الثلاثة سوف يقوي الآخر ويمكن أن تعيش في هارموني ولكن مع الإهمال وعدم اهتمام الدولة بالإنسان ساد التنافر بين هذا الثالوث عوضا عن الانسجام فتجد صاحب الشجرة يشكو من الحيوان الذي يملكه ثم يأتي موسم الزراعة ليشكو من الشجرة ذات نفسيها.
بشيء من التخطيط والنظرة الاستراتيجية وتدخل حميد من الدولة او غيرها في شكل خدمات يمكن أن يتضاعف إنتاج الصمغ واللحوم والألبان والذرة والدخن والسمسم والكركدى ويمكن لشجرة الهشاب او حتى الطلح أن تقوم بدور راس الحربة وقاطرة الإنتاج وتجر معها البقية والعكس ليس صحيحا فيمكن للحيوان أن يتغول على الشجرة والمحصول ويمكن للمحصول أن يتغول على الشجرة ولكن إذا أعطيت الريادة للشجرة فسوف تزيد مساحة المحاصيل وتحسن إنتاجها رأسيا وسوف تنعكس مخلفات المحصول الوفيرة على الحيوان لا بل يمكن أن يزرع تحت الشجرة علف الحيوان وستكون البلاد حاربت الجفاف والتصحر والفقر والعوز والتخلف فالآن الغابات في جهة ووقاية النباتات في جهة والبيطرة في جهة والدولة غائبة نهائيا فكان طبيعيا أن يحدث تمزق اقتصادي ويتهتك النسيج الاجتماعي ويسود الفقر وتزحف الصحراء.
قال لي مواطن من تنفتارا التي تبعد من أم روابة حوالي العشرين كيلومترا: “إنني أتمنى من الله قبل أن أموت أن أشهد في تفنتارا مستشفى أمومة وطفولة لأن موت النساء والأطفال هنا كثير جدا”، فقلت له لماذا لا تطلب شارع معبد يربطكم وكل القرى المجاورة بأم روابة حيث كافة الخدمات يمكن أن تتوفر فضحك وقال لي: “الشارع كتير علينا لأن تكلفته عالية فكفانا المستشفى”، فقلت له ما معنى تفتنارا فقال لي جدنا كان له ثأر مع آخرين فطلبوا منه العفو فوافق قائلا أنا تاري دفنتوا هنا فأصبحت المكان تعرف بدفن تارا أي الذي دفن ثأره وبمرور الزمن أصبحت تفنتارا فقلت له والله كلكم دفنتم ثأركم مع الدولة والآخرين.
[/JUSTIFY]
حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]