شكوت مرارا من أن أكثر ما يحز في نفسي، هو أنني فشلت في كتابة الشعر.. قالوا إن على من يريد كتابة الشعر ان يحفظ الشعر، والتهمت آلاف أبيات الشعر – ليس كمن يتناول زيت الخروع، بل بنفس مفتوحة وحب صادق للشعر والشعراء – وكثيرا ما استشهدت ببيت للشاعر السوداني الذي توفي قبل أن يبلغ الثلاثين، التيجاني يوسف البشير الذي لو عرف بأمره محبو الشعر في العالم العربي، وقرأوا ديوانه «إشراقة» الذي أشرف على طباعته الشاعر المصري إبراهيم ناجي (صاحب قصيدة الأطلال التي تغنت بها أم كلثوم) لأقاموا المهرجانات باسمه وطرحوا جائزة للإبداع الشعري تحمل اسمه، ذلك البيت هو ما قاله في وصف الليل وأتحدى الشعراء السابقين واللاحقين وبكل اللغات ان يكونوا قد أتوا أو أن يكونوا قادرين على الإتيان بمثله:
للَّيلِ عمقٌ وفي الدجى نفقٌ / لو صُبَّ فيه الزمان لابتلعهْ
(تعجبني جدا بلاغة العبارة السودانية العامية: ظلاماً (ضلاما) تتكل عليه العصا.. يعني من فرط كثافة الظلام يصبح جسما صلبا تسند عليه عصاك فلا تقع)
استوقفتني مؤخرا قصيدة للشاعر المصري المبدع سيد حجاب، كفيديو كليب، وقد رأيت ان تشاركوني متعة قراءتها، آخذاً في الاعتبار أنها مكتوبة بلغة هجين تجمع بين الفصحى والعامية:
سلوا قلبي وقولوا لي الجوابا / لماذا حالنا أضحى هبابا؟!
لقد زاد الفساد وساد فينا / فلم ينفع بوليسٌ أو نيابة
وشاع الجهل حتى ان بعضاً / من العلماء لم يفتح كتابا
وكنا خير خلق الله.. صرنا / في ديل القايمة وف غاية الخيابة
قفلنا الباب..أحبطنا الشبابا / فأدمن أو تطرف أو تغابى
أرى أحلامنا طارت سرابا / أرى جناتنا أضحت خرابا
وصرنا نعبد الدولار حتى / نقول له (إنت ماما وانت بابا)
وملياراتنا هربت سويسرا/ ونشحت م الخواجات الديابة
ونُهدى الوطن حباً.. بالأغاني / فتملؤنا أغانينا اغترابا
وسيما (سينما) الهلس تشبعنا عذابا / وتشبعنا جرائدنا اكتئابا
زمان يطحن الناس الغلابة / ويحيا اللص محترماً مهابا
فكن لصاً اذن أو عش حمارا / وكل مشّاً إذن أو كل كبابا
ودوس ع الناس أو تنداس حتى / تصير لنعل جزمتهم ترابا
أمير الشعر عفواً واعتذارالشعركَ فيه أجريت انقلابا
وما نيل المطالبِ بالطيابة دى مش دنيا يا شوقى بيه دى غابة
يعتذر الأستاذ سيد حجاب لشوقي لكونه قام بتحوير قصيدة أحمد شوقي التي مطلعها: سلوا قلبي غداة سلا وتابا / لعل على الجمال له عتابا.. في ذمتك ألا تحس بأن الشاعر هذا بلدياتك الموجوع، رغم علمك أنه مصري بموجب الشهادات الرسمية، لأن ما هو حاصل من حولنا هو أنه: دي مش دنيا.. دي غابة.
وكي لا اتهم بسرقة مجهود الآخرين ثم نسبة المقال الى شخصي أقوم بتعديل البيت الأخير في قصيدة حجاب: وما نيل المطالب بالتمني / ولكن بالوزارة والنيابة (أن تصبح نائبا في برلمان.. وتبصم دون ان تقول «بِغِم»).
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]