الرئيس الغامبي يحيي جامع لا ينفد جرابه من الإثارة الإعلامية، فالرجل الذي جاء إلى الحكم في العام 1994 عبر انقلاب عسكري استطاع أن يبني باجتهاد كبير حائطا من الكراهية بينه والغرب، ويتعهد ذلك بسلسلة من القرارات المثيرة مثل إصراره على عقوبة الإعدام، وقراره قطع رؤوس مثليي الجنس، وقدراته الخارقة في علاج الأيدز عبر الرقية والأدعية وغيرها من القرارات والتحركات التي صنعت منه نجما في وسائل الإعلام الدولية التي تهتم بغرائب الأشياء والأفعال، ولكن هذه الطقوس الغرائبية ظلت ترافق جامع في تعاطيه السياسي مع الغرب، وكان لافتا قراره في أكتوبر الماضي الانسحاب من رابطة دول الكومنولث، وقال حينها إن غامبيا لن تكون أبدا عضوا في أي كيان للاستعمار الجديد ولن تكون طرفا في أي كيان يمثل امتدادا للاستعمار.
ربما كانت للرئيس الغامبي مبراراته للانسحاب من الكومنولث من الناحية السياسية، فالرابطة نفسها ليست بقوة الفرانكوفونية مثلا كما أن الكثير من المستعمرات البريطانية رفضت الانضمام للرابطة منها السودان على سبيل المثال، وبالتالي الانسحاب من الكومنولث لا يتجاوز سلسلة القرارات الاستفزازية التي يقوم بها جامع ضد الغرب الطامع أن يكون وريث الرئيس الزيمبابوي موغابي في عداء الغرب، واذا صادر موغابي مزارع المواطنين البيض في زيمبابوي فإن يحيى جامع يريد مصادرة ثقافة بلاده ويعزلها عن العالم الحديث بقراره المثير الذي اتخذه أخيرا التوقف عن استخدام اللغة الإنجليزية كلغة رسمية، لأنها حسب تعبيره (إرث استعماري).
الرئيس الغامبي بقراره المثير للجدل سيحرم بلاده ليس من التواصل مع العالم لأن الإنجليزية هي لغة العصر الحديث بل سيحرم مواطني بلاده من التواصل مع بعض، ورغم أن الرئيس قال إنه سيلجأ إلى لغة محلية دون أن يحددها فإن التوافق حول لغة من بين اللغات العديدة التي يتحدثها الغامبيون التي منها على سبيل الماندينجو والفولا والولوف سيكون التوافق على لغة محلية وحيدة كلغة رسمية ستكون مهمة شبه مستحيلة لارتباط هذه اللغات بإثنيات معينة ومعظمها لها امتدادات داخل دول الجوار كالسنغال مثلا، حيث ينتشر استخدام لغة الولوف ولكن مع ذلك تظل الفرنسية هي اللغة الرسمية.
دعوة جامع لوقف التعامل باللغة الإنجليزية ليست قائمة على منطلقات ثقافية كدعوة الكاتب الكيني الكبير نقوقوي واثنقو إلى كتابة الأدب الأفريقي باللغات المحلية، بل هو قرار سياسي من جامع يضاف إلى سلسلة القرارات المعادية للغرب، حيث يقول الرئيس الغامبي المثير للجدل إنه ما من مبرر للإبقاء على اللغة الانجليزية، حيث لم يهتم البريطانيون بالتعليم، وهذا يعني أنهم لم يمارسوا الحكم الرشيد، كل ما فعلوه هو النهب والنهب والنهب.
العالم الآن – صحيفة اليوم التالي