نترحَّم على روح شهيد جامعة الخرطوم علي آدم أبكر، ونسأل الله تعالى أن يتقبله ويلهم أهله وزملاءه الصبر.. طلقة طائشة جديدة وبلاغ جنائي وتحقيقات قد تقود للحقيقة وقد تفشل وتكتفي بإضافة اسم جديد إلى قائمة ضحايا الرصاص الطائش وأحداث العنف بجامعة الخرطوم والجامعات السودانية الأخرى ..
إرشيف مثقل بالأحزان وبالاستفهامات وبالاتهامات المتبادلة، فتأريخ جامعة الخرطوم مليئ بمثل هذه الأحداث المؤسفة وقائمة ضحايا الطلقات الطائشة وحدها قائمة طويلة ومفتوحة منذ الستينيات تضاف إليها أسماء جديدة كل حين، منذ القرشي ومروراً بشهيد أحداث العجكو في الستينيات، والرصاصة التي اصطادت الشهيد طارق عند بوابة جامعة الخرطوم في بداية التسعينيات، ثم رصاصة أخرى طائشة أو قاصدة لا أحد يعلم بها، لكنها أسقطت الأخ الصديق فائز أبو سروال في مبنى كلية الهندسة عام 96 وقد كنت قريباً من تلك الحادثة التي اصطادت رفيق صبانا وابن ( الحلة) حين قرع أحدهم برفقة ثلاثة أشخاص آخرين باب منزلنا بالصحافة ذات نهار فاستقبلته ليسلمني بطاقة شخصية خاصة بالشهيد فائز، وقد كانت وبحكم صداقة الشهيد بشقيقي الأكبر كانت بطاقته معنونة برقم منزلنا، ثم أخذني هذا الشخص على الجانب وهمس بصوت حزين قائلاً إن صاحب هذه البطاقة في المشرحة، وواصل حديثه يقول نحن كنا قريبين منه حين أصابته الرصاصة ولا نعرفه لأنه ليس طالباً، بل ضيف زائر وحين سقط وقبل أن يحملوه وجدنا هذه البطاقة في جيبه ..
وبالفعل ذهبت إلى المشرحة حاملاً البطاقة لأتعرف على الجثة بعد أن سمح لي وكيل النيابة الموجود في المستشفى بالدخول والتأكد من هوية صاحب البطاقة قبل أن أعود وأخبر أهله بالخبر الفاجع، وبقدر عال من اليقين والإيمان قرر والد الشهيد فائز مواراة جثمانه وعدم التجاوب مع مجموعات من الطلاب كانت تطالبه برفض استلام الجثمان.. وظل بلاغ فائز مقيداً ضد مجهول.. وبعده حادثة محمد عبد السلام عام 98، والقائمة طويلة قبل الشهيد الطالب علي ادم أبكر.. قائمة العنف السياسي في الجامعات السودانية.
وأمس و منذ أن طالعت خبر وقوع أحداث في جامعة الخرطوم كنت متوقعاً أنّ الخبر التالي سيكون هو سقوط ضحية جديدة للعنف .
لا أحد يمكن أن يقطع بمصدر الرصاصة التي قتلت علي أبكر، فالجميع نعوه ومشوا في جنازته وكلهم استنكروا الحادثة طلاباً وشرطةً، موالاة ومعارضة.. لا أحد يمكن أن يجزم بهوية الجاني إلا تحقيقات الشرطة، والتي نأمل أن تصل للحقيقة، فقد أصبح حرم جامعة الخرطوم غير آمن من صيد الرصاص الغادر .
ولا نهاية لهذا المسلسل الأليم إلا بالتزام جميع الأطراف بالقانون بشكل صارم وفتح تحقيقات على أوسع نطاق من البحث والتحري والتحقيق مع كل الأطراف.
ولا نهاية لمسلسل الرصاص الطائش إلا باتخاذ إجراءات جديدة أكثر تشدداً لإخلاء الجامعات من السلاح بشكل تام.. ووضع أجهزة للكشف عن الأسلحة عند بوابات الجامعات لأغراض التأمين.. ليست هي الخيار الأمثل، فالجامعات يجب أن تكون صروح وعي وعلم وسلام وأمان، لكن الآن وبعد تكرار هذه الحوادث الغامضة الخطيرة فإن وضع أجهزة الكشف عن السلاح أصبحت أمراً ملحاً وصارت هي الخيار الذي يناسب الحالة.. وتقلل كثيراً من إمكانية دخول السلاح الحرم الجامعي
لا مبرر للعنف السياسي ولا العنف المضاد ولا وصف يناسب من يطلق الرصاص في هكذا أحداث إلا وصف المجرم القاتل الذي يجب أن ينال عقابه بالقانون.