إلى أين تتجه الأوضاع في بلادنا السودان؟ لا أحد يعلم، بل الأدهى والأمر لا أحد يشعر بأنه معني بالإجابة عن هذا السؤال المروع.
أمس الأول شهدت جامعة الخرطوم أركان نقاش محدودة أدارتها بعض روابط طلاب دارفور.. كان من الممكن أن تعبر عن قلق الطلاب على ما يجري في دارفور ومحاولة منهم للفت النظر.. فتبدأ وتنتهي بسلام.. لكن الحماس طغى فتحولت إلى مظاهرات اتخذت طريقها للخروج من أسوار الجامعة.. الشرطة تعاملت معها بالغاز المسيل للدموع فارتدت المظاهرات إلى داخل حرم الجامعة.. إلى هنا وكل هذا طبيعي في أجواء الجامعات السودانية..
لكن وفجأة من بين ثنايا القدر الرهيب.. تنطلق بضع رصاصات كانت واحدة منها في صدر الطالب (علي أبكر موسى) بالمستوى الثالث بكلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم.. فأردته شهيداً.. وحتى هذه اللحظة لا تفسير.. ووعد بـ(التحقيق).. رغم أن تحقيقات كثيرة في قضايا مماثلة لا تزال ملفاتها مطوية..
الحادث المأساوي ألهب شعور الطلاب فشيعوا الجثمان إلى مقابر الصحافة في موكب ضخم.. هو الآخر تعرض لوابل من الغاز المسيل للدموع.. وأُغلقت الجامعة التي كان يفترض أن تدير وتشرف على الحوار السياسي.
إلى أين تتجه الأوضاع في بلادنا السودان؟ بكل يقين هناك طريقان لا ثالث لهما.. الأول: طريق العناد ودفن الرؤوس في الرمال.. بالحديث الـ(لا) مجدي عن حوار شامل لا تتوفر له أدنى معايير الجدية.. وهو طريق سيفضي حتماً إلى الطامة الكبرى..
والثاني: طريق العقل.. وتحمل المسؤولية التاريخية تجاه الوطن الكبير.. بإنكار الذات الحزبية الضيقة.. وتبني أطروحة تسوية سياسية شاملة.. تستوعب كل أبناء الوطن.. فترتاح البنادق.. ويبدأ بناء الوطن المدمر..
لا سبيل آخر.. ومن المؤسف أن يظن البعض أن إضاعة الوقت بـ(تشتيت الكرة).. يوفر مزيداً من السنوات في الحكم.. هذا محض جنون.. فالعبر التي تفرج عليها العالم أجمع في الأنظمة التي سادت ثم بادت.. كافية لنرى رأي العين ما سيؤول إليه مصير مثل هذه السياسات..
لم يبق من الوقت شيء.. على الحكومة أن تنظر ببصيرة عقلانية للمشهد الماثل أمامنا.. وتدرك أن الإسراع بخطوات الحل.. يبعد شبح الكارثة.. أن تدرك الحكومة أن (حكاية!!) الحوار صارت مملة ومستهلكة للصبر والزمن.
الأوجب أن تفتح الحكومة اليوم قبل الغد أبواب العمل السياسي الحر الطليق بلا قيود.. التعبير بالكلام أفضل كثيراً من التعبير بالرصاص.. وأن تترك لشعبنا العاقل الصابر أن ينظر ويتأمل في البضاعة السياسية المعروضة أمامه ليختار منها ما يشاء بكامل رشده وضميره..
(الحوار الشامل) لا يجب أن يعني حواراً بين المؤتمر الوطني وما يختار من أحزاب.. الغالبية الكاسحة من الشعب السوداني خارج أسوار الأحزاب فلماذا لا تشارك في الحوار عبر المنابر المفتوحة في الهواء الطلق؟.. لماذا تغلق الحكومة منابر الحوار المفتوحة.. وتطلب من الأحزاب حواراً خلف الغرف المغلقة؟.
على كل حال.. المباراة في الوقت بدل الضائع..!! وسيستبين قومي النصح ضحى الغد..
[/JUSTIFY]حديث المدينة – صحيفة اليوم التالي
[Email]hadeeth.almadina@gmail.com[/Email]