:: قبل خمس سنوات تقريباً، كتبت عن الرجل الذي صنع حياة بفيافي دنقلا، عاصمة الولاية الشمالية..فالعميد أبو زيد عبد الله هارون، المديرالسابق لمطار دنقلا، لم يكتف بتحديث وتأهيل مطار دنقلا بمبلغ يتجاوز بخمسين مليار جنيه، بل صنع حياة بجوار المطار.. فالحياة التي صنعها أبوزيد بجوار المطار وثقتها الفرق الغنائية هناك بعد تحويلها إلى أغنية تحمل اسم ( مطار دنقلا).. كان بالمطار فتدقاً هو الأجمل في المدينة لحد إستضافة الرئيس و الوفود الوزارية، وكذلك مسرح خليل فرح كان زاهياً في تلك الفيافي وهو يستقبل الراحل المقيم وردي، ثم حدائق المطار التي كانت تستقبل أفراح الناس، وأكثر من الف وخمسمائة نخلة، وكانت هناك مخازن بمواصفة علمية شيدها أبو زيد هارون لتخزين وتصدير (الخضر والفاكهة)..!!
:: تلاشت كل تلك الحياة، وأصاب الجفاف خضرتها واليباس نخيلها، وتحولت كل المباني بما فيها من صالات وغرف الفندق والمخازن والمسرح والحدائق إلى خرابات ينعق فيها البوم نهاراً وترتع فيها العناكب والعقارب ليلاً، وتشرد عمالها..ماتت أجمل رقعة جغرافية بعاصمة الشمالية بتوقف حركة الطيران عن مطار دنقلا، ولم يتحقق الحلم الإستراتيجي لهارون ( إنتاج وتصدير الخضر والفاكهة)، فاليد الواحدة لاتصفق..وللأسف، كل الأيدى والعقول المناط بها مهام تحريك عجلة الإنتاج والتصدير وتشغيل مطار دنقلا وتطوير تلك الحياة التي أهدرت فيها المليارات، مركزية كانت تلك الأيدي والعقول أو ولائية، كانت ولا تزال ( مغلولة ومقفولة)..كما عجزت سلطة الطيران عن تشغيل مطار دنقلا، عجزت حكومة الولاية أيضاً عن إنتاج وتصدير الخضر والفاكهة، رغم توفر (الأرض، المياه، الكهرباء، المزارع)..!!
:: وهكذا حال مطار مروي، أكبر مطار بالبلد، محض هياكل خرصانية وأسمنتية وعمالة بلا عمل..رغم أنف الأرض الخصبة وكهرباء السد وبحيرة السد، لم يودع مطار مروي طائرة تصدير، وكذلك لم يستقبل طائرة سواح، لأن الأيدي والعقول المناط بها تشغيل المطار وتحريك عجلة الإنتاج والتصدير – مركزية كانت تلك الأيدي والعقول أو ولائية – كانت ولا تزال ( مغلولة ومقفولة)..وكذلك مطار وادي حلفا، بالطرف الشمالي لأرض البلد، ذاب في الصحراء وغطاه الزحف الصحرواي لحد عدم تمييز الناس حدود المطار و مدرجها الترابي عن (بقية الفيافي)، والمدهش أن به عمالة بلاعمل أيضاً، أي كما الحال بمطاري دنقلا ومروي، ولاتزال سلطة الطيران المدني عاجزة عن تأهيل المطار وتشجيع حركة الطيران، وكذلك لا تزال السلطات الولائية والمحلية هناك عاجزة عن الإنتاج والتصدير عبر هذا (المطار الإستراتيجي)..!!
:: بالإنتاج والتجارة، تزدهر المطارات وتضج بالناس والشركات، بالإنتاج والتجارة وليس بوداع و أستقبال ( الرئيس والوفد المرافق له)..دولة – رغم إنفصال جنوبها – شاسعة، وكل ولاية فيها تجاور دولة أو دول جارة، ومع ذلك تعجز حكمتها عن إدارتها بحيث تكون مركزاً إقتصاديا و تجارياً للعرب والأفارقة، رغم توفر كل العوامل ( أرضاً ونيلاً وموقعاً جغرافياً)..فالحلول الجذرية التي تستقطب الإستثمار والمستثمرين وتحرك عجلة الإنتاج بالولايات المستقرة هي الأفضل في تشغيل الناس والمطارات، وليس( اللتيق أو الترقيع) ..وعلى سبيل المثال، عندما تتفق حكومة شمال كردفان مع إحدى شركات الطيران على تسيير رحلاتها إلى الأبيض مقابل توجيه أعضاء الحكومة بالحجز على مقاعد طائراتها، فهذا نوع من ( نهج اللتيق)، وليس حلاً جذرياً.. وكذلك، عندما تتعاقد حكومة كسلا مع شركة طيران أخرى على دعمها بما قيمتها ( تذاكر عشرة مقاعد في كل رحلة)، مقابل تسييرها رحلاتها إلى مطار كسلا، فهذا أيضاً نوع من ( نهج الترقيع).. أجذبوا الإستثمار بتوفير (المناخ غير الطارد)، لتأتي شركات الطيران إلى مطاراتكم وهي تجرجر طائراتها..فالغاية العظمى من مطارات الدنيا وموانئها هي تصدير الإنتاج، وليس إستقبال ووداع ( الوالي والوفد المرافق له)..!!
[/JUSTIFY]
الطاهر ساتي
إليكم – صحيفة السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]