يبدو أن الدكتور حسن الترابي زعيم حزب المؤتمر الشعبي، وجد أخيراً عقلاءً في حزب المؤتمر الوطني لينخرط معهم في حوارات ومفاوضات على النحو الذي تشهده الساحة حالياً، حيث نشط الترابي مؤخراً في الالتقاء بالعديد من قيادات الحزب الحاكم ودارت بينهما محاورات ومفاكرات وتفاهمات بينية ثنائية، هذا غير اللقاء المرتقب الذي سيجمعه بالمشير البشير رئيس الجمهورية ورئيس الحزب الحاكم، وهذا الحراك والنشاط تلقاء السلطة وحزبها الذي انخرط فيه الترابي وحزبه، يجيء بعد حوالى عقد ونصف العقد من المفاصلة والقطيعة والقطع الناشف والملاسنات والاتهامات، ولم يكن الترابي ولا أيٌّ من قيادات حزبه خلال هذه المدة الطويلة، يظهر في أي منشط أو فعالية أو احتفالية تقيمها الحكومة أو حزبها ولو على سبيل المجاملة والعلاقات العامة وتشريف الجلسات الإجرائية والبرتكولية، دعك من أن يجري بينهما أي نوع من الحوار وعلى أي مستوى، إلى أن فاجأ الشيخ الجميع بظهوره في المحفل الذي تلا فيه الرئيس خطاب الوثبة الذي تابعه كل الناس، ومن يومها ظل كل الناس هؤلاء يسمعون من الشيخ وحزبه ويوريهم مطلع كل صباح جديد ما كان على بال، كما يقول النشيد المايوي الذي يمجد الرئيس الأسبق المرحوم جعفر نميري وثورة مايو الظافرة المنتصرة أبدًا. الشاهد في حراك الترابي الإيجابي هذا تجاه السلطة ووفقاً للترابي نفسه أحد أمرين، إما أن المؤتمر الوطني قد تعقَّل واعتلى سدته العقلاء فثاب إلى الرشد والصواب، أو أن الترابي قد اضطر لسبب ما لفعل ما يفعله الآن بعد طول تأبٍّ وقطيعة وعناد، ودليلنا وشاهدنا على ذلك نصيحة مشهورة قيل أن الدكتور الترابي بعث بها في تلك الأيام للأميركان ينصحهم فيها بأن يحاوروا عقلاء المؤتمر الوطني قبل أن يضطروا لمحاورة مجانينه، وليس الترابي وحده من اكتشف وجود مجانين على سدة قيادة هذا الحزب، فقد قال بذلك أيضاً كل من السكرتير السابق للحزب الشيوعي المرحوم محمد إبراهيم نقد، ورمزنا الثقافي المغفور له بإذن الله الطيب صالح، ففي تصريح شهير للفقيد نقد لإحدى الصحف عن مجانين المؤتمر الوطني، قال إن مسؤوليتهم تجاه هذا البلد تجعل لهم مسؤولية تجاه المؤتمر الوطني لإنقاذه من حالات جنونه ومجانينه أو كما قال نقد، وليس بعيداً عن هذا المعنى إشارة الأديب الأريب الطيب صالح التي ذهبت مثلاً عن عقلاء النظام ومجانينه، وذلك كما روى عنه عندما عتب عليه البروفسور حسن مكي عند لقائه به في ندوة أقيمت بالخارج، على غيابه الطويل عن السودان، فقال الطيب صالح إن فلاناً ظل يغريني بالزيارة، فقلت له – والكلام لا يزال للطيب- أخشى أن أقع في قبضة مجانين النظام فلا يدركني عقلاؤهم إلا بعد فوات الأوان.. فهل يا ترى اضطر الترابي أم تعقَّل المؤتمر الوطني، أم لا هذا ولا ذاك وإنما لهذا الحراك أسباب ومبررات أخرى وحمدو في بطنو؟.
(أرشيف الكاتب)
[/JUSTIFY]
بشفافية – صحيفة التغيير
حيدر المكاشفي