يحكى أن ثلاثة من معلمي مرحلة الأساس في محلية كرري بأم درمان، أصيبوا بحالة من الجنون الجهير أثناء ممارستهم لهذه المهنة النبيلة، وبحسب الإدارة العامة للشؤون التعليمية بمحلية كرري، فإن (اكتظاظ الفصول) هو ما قاد المعلمين الثلاثة إلى هذا الطريق الذي بدأ بحالة من الذهول وانتهى بالجنون، وأنهم الآن يتلقون العلاج في إحدى المصحات النفسية في العاصمة الخرطوم، فالحالة الاكتظاظية لمدارس المحلية (الفتح والإسكان الحارة 75) تسببت في استنفاد طاقة التركيز الطبيعية المختزنة عند المدرسين وشوشت أذهانهم أمام هذا العدد الخرافي من التلاميذ في الفصل الواحد، وهو (120 إلى 175) طالباً بين أربعة جدران صماء، مثلما نقلت الخبر إحدى الصحف اليومية خلال هذا الأسبوع.
قال الراوي: هل يمكن إدراج هذه الواقعة ضمن ما يعرف في المسرح الحديث بـ (مسرح اللامعقول) أو مسرح (العبث)؟
أي بيئة تعليمية هذه التي يضم فيها الفصل الواحد أكثر من مئة وخمسين طالبا؟ ما الذي يمكن أن يتعلمه هؤلاء الطلاب وهم يتدافعون لأجل (حجز) أماكن جلوسهم ولأجل استنشاق (أوكسجين نقي)؟ وكيف لإدارة مدرسة أيا كانت قدراتها ضبط هذا العدد الكبير من الطلاب داخل الفصل الواحد.. كيف تتم مراجعة الواجبات؟ كيف تتوزع فرص التعلم بينهم؟ كيف يتم توجيههم وشد انتباههم؟ وكيف وكيف؟!
قال الراوي: إذن، يضاف إلى مآسي المعلمين المعروفة والتاريخية مأساة جديدة؛ فإلى جانب عدم التقدير الرسمي، وقلة الراتب وانقطاعه وتذبذبه، والإهمال المتعمد بعدم التأهيل والتطوير، يتم الزج بهم الآن في بيئات تولد حالات الجنون والذهول لينفصلوا بالتالي نفسيا وصحيا عن ذواتهم بعد أن تم فصلهم مجتمعيا بإفقارهم وتهمشيهم ووضعهم في آخر السلم المجتمعي. والجنون الذي أصاب المدرسين الثلاثة هل هو دليل على انتشار (كامن) لمثل هذه الحالات في مدارس أخرى فصولها مكتظة أيضا بالطلاب في مختلف مناطق السودان، لكنها لم تكتشف بعد لوقوعها أصلا في حيز (المنسي) والمُتجاهل.
ختم الراوي؛ قال: بلاد تهمل التعليم والمعلمين إلى هذا الحد (الجنوني) لن تجني سوى السراب ولن تقبض إلا (الريح).
استدرك الراوي؛ قال: اقترح على مختصي الصحة النفسية بالسودان (إن وجدوا) أن يطلقوا على حالات الجنون التي أصابت ثلاثة معلمين مرض (متلازمة الاكتظاظ الطلابي الجنونية)!
أساطير صغيرة – صحيفة اليوم التالي