أن يقع حادث مروري، فهذا وارد في كل أنحاء الدنيا، بل إن الحوادث المرورية هي السبب الأول لموت الشباب في العالم حسب دراسات حديثة، وتلك الدراسات تقر باحتمالات وقوع الحوادث المرورية في كل مكان، لكنها تشير لحقائق وأرقام مهمة، منها أن 90% من الوفيات العالمية الناجمة عن حوادث الطرق تحدث في البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل، على الرغم من أنَّ تلك البلدان لا تمتلك إلا أقلَّ من نصف المركبات الموجودة في العالم.
في مصر ولبنان وكل مكان، هناك دراسات وإحصائيات تفصيلية لأسباب حوادث المرور في تلك البلدان وتصنيفها بين الأسباب التي تعود لسلوكيات قائدي المركبات والأسباب الأخرى التي تتعلق بعيوب المركبة ثم العوامل الجوية ثم الهندسية الخاصة بمواصفات الطريق .
وفي أغلب البلدان الأخرى غير السودان تقع الأسباب المتعلقة بمواصفات الطريق في مؤخرة أسباب حوادث المرور .
هذه حقائق مهمة يجب ذكرها قبل طرح تساؤلات حول حالنا في السودان تساؤلات أعرف أن معظمها لا إجابة عنه، ولا أحد وجيع يتحمل مسؤوليته بالدرجة الأولى، لا شرطة مرور ولا هيئات طرق ولا جهات رسمية تتصدى للإجابة بشجاعة، وتقول الحقائق الحارقة والمرة مثل حقيقة أن مواصفات طرق المرور السريع في السودان ضعيفة ومتدنية، ولا تفي بشروط السلامة لمستخدمي الطريق، وبذلك فإن ترتيب أسباب الحوادث في السودان يكون بالمقلوب ويبدأ بالمواصفات الهندسية للطرق وليس فقط سلوكيات السائقين.. حين يسقط عجل السيارة في مطب عميق في وسط الطريق الضيِّق أصلا، فالنتيجة هي تدهور السيارة وانقلابها عدة مرات وموت من بداخلها، مثل عشرات بل مئات الحوادث القاتلة قبل حادثة وفاجعة بص التوحيد الأخيرة.
الحوادث المرورية في السودان هي في تقديري حوادث لا تخلو من الإدانة الجنائية لمن يستلم راتبا من الدولة مقابل المراقبة والإشراف على صيانة الطرق ثم يتركها (محفرة) قاتلة في تلك الحوادث التي تتسبب فيها مطبات الطريق.. ثم هناك تهمة جنائية للجهة التي صممت ونفذت طريق التحدي بمزالق مميتة بدلا عن الجسور في الأودية التي يمر بها الطريق.. والمزالق التي قتلت العشرات من قبل كانت هي الخيار الأقل تكلفة مادية في حسابات المقاول المنفذ أو من طرح العطاء ووافق على التنفيذ، لكنها الخيار الأعلى تكلفة بالنسبة للمواطن، حيث يدفع الفاتورة من روحه ودمه أو إعاقات مستديمة ..
والعبد لله.. ولله الحمد (مجرب) وقد خرجت بلطف الله حياً من حادث ضاع فيه صديقي قبل سنوات، وكتب الله لي عمرا جديدا في طريق التحدي بحصيلة (8) ثمانية كسور بين اليد والساق والضلوع والحوض والنزيف الداخلي في القفص الصدري.. ولله الحمد على السلامة .
لكنني أعرفه جيداً هذا الطريق، وأعرف كيف يكون الألم، وكيف يكون الفقد بسببه موجعا، وأعرف مزالقه القاتلة التي لم تتم محاسبة أي جهة من منظومة الجهات التي قامت بتنفيذه قبل سنوات بلا مواصفات.
صحيح أن أسباب فاجعة بص التوحيد ربما لم تكن هي مواصفات الطريق بشكل مباشر، وإن كنت أرى أن كل حوادث طريق التحدي مهما كانت أسبابها، لكنها في نهاية الأمر ترتبط بشكل أو آخر بضيق مساحة الطريق، وهي مشكلة عامة في كل طرق المرور السريع في بلادنا.
إن طريق التحدي هو الجريمة التي لم يتم التحقيق فيها حتى الآن ..