أمريكا تسبب الألم وتحاربه

[JUSTIFY]
أمريكا تسبب الألم وتحاربه

(تضطرني ظروف طارئة وقاهرة إلى نشر مقالات سبق لي نشرها هنا عام 2006، فالمعذرة، على أمل استئناف سلسة «مهن ومحن» قريبا إن شاء الله).
أستطيع أن أتعايش مع الفلس أي شح أو انعدام الموارد المالية، وأستطيع أن أتعايش مع العديد من الأمراض التي لا تسبب الألم، وأستطيع أن أتعايش مع فيفي عبده ورزان وبوتين، وفاروق الفيشاوي، لأنني أستطيع أن أتخلص من هؤلاء بضغطة خفيفة على زر صغير، أو – إذا دعا الأمر – بقطع التيار الكهربائي، ولكنني لا أطيق الألم، ولا أتردد في استخدام المسكنات رغم إدراكي أنها قد تكون ذات أضرار على المدى البعيد، ولكن لماذا أعاني «الآن» تفادياً لمعاناة قد تحدث وقد لا تحدث في المدى البعيد؟ وبحمد الله فإن صحتي جيدة ولا أعاني سوى من آلام وعلل بسيطة ناتجة عن التهاب اللثة والانزلاق الغضروفي والتهاب القولون وتآكل إحدى فقرات العنق والغازات الناجمة عن الإكثار من أكل الفول، ومن ثم فإنني لا أستخدم من المسكنات سوى البروفين والفولترين والدستالجسيك، (تخطيت مرحلة البندول والأسبرين العادي) وقد تضافرت جهود تلك العقاقير وجردت معدتي من أغشيتها وبطانتها مما سبب الآلام المعروفة بـ«الحموضة» فلجأت إلى مضادات الحموضة التي سببت لي الإمساك الذي سبب لي بدوره التهاب البواسير التي لا ينفع معها مسكِّن، فكان لا بد من الجراحة.
خلاص.. كل ذلك راح وانقضى بظهور جهاز إي ترانس، واسمه الكامل «ترانسديرمال تكنولوجيا» أي التكنولوجيا عبر الجلد، فالجهاز مزود برقاقة كمبيوتر وبه «أمبول» يحوي المادة المسكنة ويتم زرع الجهاز في الجزء العلوي من الصدر، وكلما أحسست بالألم ضغطت على زر صغير فيبرمج الكمبيوتر الجرعة المطلوبة ويدخل المسكن مجرى الدم مباشرة، وهذا الجهاز يصلح أساساً للذين يعانون من آلام شديدة أو مزمنة ناتجة – مثلاً عن السرطان أو التهاب المفاصل المزمن، وبما أن الجهاز زهيد التكلفة، وبما أنه أمريكي الصنع، وبما أن الأمريكان يحبون عمل الخير، وينفقون البلايين لتخليص الشعوب من آلامها بقصفهم برا وجوا، فلا شك في أنهم سيبيعون عشرات الملايين من جهاز إي – ترانس لأبناء وبنات الزريبة العربية الكبرى، ليتخلصوا من آلامهم من دون الحاجة إلى اللجوء إلى الأطباء كلما اشتدت عليهم العلل. والمعروف أن معظم العلل التي يعاني منها المواطن العربي لا يجدي معها طبيب أو أقرباذي (صيدلاني) فالعلم الحديث لم يكتشف بعد دواء لإدمان المخدرات، والإنسان العربي يدمن المخدرات من قبيل الهروب من حالة الخوف التي تلازمه منذ الطفولة: اسكت وللا أنادي لك الشرطة!!.. لو ما نمت راح نوديك للدكتور…. ثم يكبر المواطن العربي ويدرك أن هناك العديد من «الأجهزة» المسؤولة عن رفاهيته وأمنه وسعادته، مقابل ألا يتكلم أو يشكو أو يعطس قرب المباني الحكومية… عليه فقط تعاطي المخدرات اللفظية.
وسأكون في طليعة من يشترون ذلك الجهاز لأنني أعاني من آلام ناتجة عن أمراض غير عضوية، فهناك الزعماء الذين يقيمون بصورة دائمة على شاشات التلفزيون ليحدثونا على مدى ساعات طوال عن إنجازاتهم وبركاتهم، وبمجرد اختفاء صورهم مع الفواصل الإعلانية أضغط على زر جهاز إي – ترانس لتسري المسكنات في جسمي وأتقي بذلك ارتفاع ضغط الدم وانفجار الشرايين، وهنالك ممثلات ومذيعات ومطربات أتمنى لو تسنح لي الفرصة لأوجه لكمات إلى أنوفهن وأفواههن، وفي وجود ذلك الجهاز، أستطيع تسديد اللكمات إليهن وهن على الشاشة فتصاب يدي بجروح غائرة فيضخ الجهاز المسكنات إلى جسمي، حتى لا تضيع علي نشوة ضربهن.. وذلك الجهاز ضروري جداً خلال رمضان الفضيل، فبعد صوم يوم كامل، تحمد الله على طعامه ورزقه، ولكن يخرج عليك طابور من التافهين والسطحيين الجهلة الأغبياء على الشاشة ويسببون لك عسر الهضم، وعندئذ يقوم الجهاز بـ…… الواجب!
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]

Exit mobile version