حينما يسقط القانون في وحل الارتزاق

من أحاجي الحرب ( ١٦٧٩٦ ):
○ كتب: أ. الفاضل مختار
□□ حينما يسقط القانون في وحل الارتزاق
١١ أبريل ٢٠٢٥م
في مقاله الأخير، حاول السيد نصر الدين عبدالباري أن يُمارس ما يُشبه التشويش القانوني المتعمد، مستخدمًا مصطلحات القانون الدولي كستار لتبرير موقف سياسي أخلاقيًا متهالك وقانونيًا لا يستند إلى أي مرجعية رصينة. ولعل أخطر ما في هذا المقال ليس افتقاره للحجة، بل تلاعبه الصريح بأدوات القانون لتحريف العدالة، وتقديم نفسه كـ”خبير قانوني”، بينما يوظف أدواته المعرفية – إن وجدت – في خدمة ميليشيا تُحاكمها الوقائع قبل أن تُحاكمها المحاكم.
أولاً: التلاعب بالمفاهيم القانونية خدمةً لأجندة الميليشيا
عبدالباري، ومنذ بداية المقال، لم يُقدم أي قراءة موضوعية للقضية التي رفعها السودان أمام محكمة العدل الدولية، بل لجأ إلى أسلوب الطعن الشخصي والتشكيك في نوايا الدولة المدعية، متجاهلاً بشكل مريب طبيعة المحكمة واختصاصاتها، وكأنما يعتقد أن التشكيك السياسي يُسقط الاختصاص القضائي!
إن محاولة إفراغ الدعوى من مضمونها القانوني عبر الهجوم على الجهة المدعية ليس سوى أسلوب ساقط قانونيًا يُستخدم عندما يعجز الخصم عن دحض الأدلة.
ثانياً: مواقف مزدوجة تفضح الانحياز السياسي
عبدالباري يتحدث عن “نفاق” الجيش السوداني، لكنه في ذات الوقت يتغافل عن مئات التقارير الحقوقية والأممية التي وثّقت تورط ميليشيا الدعم السريع – المدعومة من الإمارات – في جرائم إبادة وتطهير عرقي بدارفور. فهل أصبحت “النزاهة القانونية” عنده تعني تجاهل الفاعل الحقيقي للجريمة والانشغال بتأريخ الطرف المتضرر منها؟
الأخطر من ذلك أن عبدالباري سبق أن ظهر في مناسبات متكررة يبرر علنًا أفعال هذه الميليشيا، بل ويُعيد تدوير خطابها تحت غطاء قانوني، مما يُفقده مصداقيته كخبير قانوني ويجعله أقرب إلى “وكيل دعائي” لجهات تتورط في جرائم ضد الإنسانية.
ثالثاً: المادة التاسعة ليست درعًا حصينًا ضد الإبادة
أما استشهاده بـ”تحفظ الإمارات على المادة التاسعة من الاتفاقية” كمبرر لرفض القضية، فهو دليل على إما جهل فج، أو تضليل متعمد. فالمادة التاسعة من اتفاقية الإبادة الجماعية لا تُعفي أي دولة من المثول أمام المحكمة عندما توجد قرائن موثقة على تورطها في الإبادة، خصوصًا حين يكون التحفظ ذاته محل خلاف قانوني ويفتقر إلى المعايير التي تمنحه الحصانة من المساءلة أمام محكمة العدل الدولية.
والسؤال المشروع هنا: إذا كانت الإمارات بريئة كما يُلمح عبدالباري، فلماذا تخشى إجراءات التقاضي؟ أليس المثول أمام المحكمة هو السبيل الأنجع لإثبات البراءة؟ أم أن الخوف من المواجهة سببه وجود ما يُخشى كشفه؟
رابعاً: الأدلة لا تسقط بالتقليل من شأنها
القضية التي رفعتها حكومة السودان ليست قائمة على “شهادات مرسلة”، بل على أدلة مادية موثقة: صور أقمار صناعية، تقارير لجان تحقيق أممية، شهادات ضحايا، ووثائق تدين بوضوح الدعم الإماراتي لميليشيا تمارس الإبادة. إن وصف هذه الوثائق بـ”الدعاية” يُعد استخفافًا بمؤسسات العدالة الدولية، ويُظهر أن عبدالباري يحترف الابتزاز الخطابي لا الدفاع القانوني.
خامساً: سقوط أخلاقي ومهني لرجل القانون
عبدالباري، الذي يتحدث بوصفه “خبيرًا بالقانون الدولي”، أظهر بما لا يدع مجالًا للشك أنه يوظف معرفته القانونية أداة للابتزاز السياسي، لا نصرةً للعدالة أو خدمةً للإنسانية. لقد قُبض عليه في أكثر من موقف وهو يعمل – صراحة أو ضمنًا – على تبرير وجود ودعم ميليشيا الدعم السريع، ويُعيد إنتاج خطابها داخل منصات دولية تحت مسمى التحليل القانوني.
والسؤال الذي يفرض نفسه الآن: كيف يمكن لإنسان مهني أن يدّعي احترام القانون، بينما يدافع عن ممولين لجرائم إبادة، ويطعن في من يطلب الإنصاف باسم الضحايا؟
خاتمة: العدالة لا تحميها الأقلام المرتزقة
إن القانون الدولي لم يُنشأ ليكون أداة في يد المحامين المأجورين، بل ليكون حصنًا للضعفاء ووسيلة لمحاكمة الأقوياء إن تجاوزوا حدود الإنسانية. وما فعله عبدالباري في مقاله الأخير لا يمت بصلة للمهنية القانونية، بل هو ارتزاق صريح عبر الخطاب القانوني، وسقوط أخلاقي لا يليق بمن يدّعي احترام العدالة.