هل انتهت عاصفة التوتر بين الجزائر وفرنسا؟

انتهت زيارة وزير الخارجية الفرنسي، جان نوال بارو، للجزائر مطلع هذا الأسبوع بتفاؤل سياسي بشأن مستقبل العلاقات بين البلدين، عقب ثمانية أشهر من التوتر الذي لم يسبق أن شهدته صلات الدولتين منذ 1962 تاريخ استقلال الجزائر عن فرنسا.

فقد شكل إعلان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، دعمه لمقترح الحكم الذاتي كحل مغربي للنزاع في الصحراء الغربية بداية توتر حاد في العلاقات بين باريس والجزائر.

وتطور ذلك إلي قضايا العدالة والهجرة والاقتصاد، إلا أن المكالمة التي أجراها ماكرون مع نظيره الجزائري، عبد المجيد تبون، بمناسبة عيد الفطر، فتحت باب الحوار مجددا.

وخلال الأشهر الثمانية الماضية تميزت العلاقات بين البلدين بحرب تصريحات إعلامية وسياسية، وتأججت عقب اعتقال الكاتب بوعلام صنصال في 16 نوفمبر 2024، بالعاصمة الجزائرية، بتهمة “الإرهاب”، على خلفية تصريحات له اعتبرتها الجزائر “مس بالوحدة الوطنية”.

كما شملت موجة التوتر بين الطرفين، قضايا الهجرة وتنقل الأشخاص والاتفاقيات الثنائية ذات الصلة، وأثناء هذه الأزمة رفضت الجزائر استقبال مرحلين جزائريين من الأراضي الفرنسية.

ولا يبدي المحلل السياسي توفيق بوقاعدة تفاؤلا كبيرا بشأن مرحلة ما بعد عودة العلاقات، مشيرا إلى “غياب إرادة سياسية حقيقية من الجانب الفرنسي لمعالجة الملفات التي تشعل الأزمات بين الحين والآخر”، معتبرا أن ما يتم تسويته ومعالجته عقب كل أزمة هو “المظهر وليس الأسباب الحقيقية لها”.

ويرى بوقاعدة في حديثه لـ “الحرة” أن ما يحدث الآن بعد المكالمة الهاتفية بين الرئيسين، وزيارة وزير الخارجية من تطورات، يدخل في سياق “التهدئة”، لكن دون “إحداث اختراق حقيقي يؤدي إلى حل الملفات العالقة”.

وفي تقدير المتحدث فإن الأزمة الأخيرة رغم أنها “غير مسبوقة” في علاقات الدولتين، إلا أنها “مؤشر لأزمات أخرى مشابهة في المستقبل”، موضحا أن الخلافات المتوقعة ستكون مرتبطة “بالسياقات السياسية في فرنسا، والتقدم الذي يحدثه اليمين واليمين المتطرف كل مرة في الانتخابات الفرنسية بخطاباته المعادية للجزائريين”.

ورغم الروابط الخاصة التي تتميز بها العلاقات بين الجزائر وفرنسا، إلا أن المحلل الاقتصادي، سليمان ناصر، يرى أن “عودة العلاقات السياسية لا يعني انتعاش العلاقات الاقتصادية مع فرنسا”.

ويستدل المتحدث بأرقام الديوان الوطني للإحصاء الذي أشار إلى “تراجع التبادلات التجارية بين البلدين في شقها الخاص بالصادرات الجزائرية نحو باريس خلال الفترة ما بين 2018 و2023 لصالح علاقات أكثر ديناميكية بين الجزائر وإيطاليا”.

ولاحظ سليمان ناصر في حديثه لـ “الحرة” وجود نوايا “لتجاوز” فرنسا من حيث الجانب الرسمي عبر المؤسسات الحكومية والشركات العمومية، أو الشركاء الاقتصاديين الذين يبحثون عن أسواق جديدة خارج الفضاء الفرنسي، نظرا للخيارات المتاحة من حيث التنافسية في السعر والجودة.

وسجلت التبادلات التجارية الفرنسية الجزائرية ارتفاعا بنسبة 5,3 بالمئة على أساس سنوي في 2023، لتصل إلى 11,8 مليار يورو، مقارنة بـ 11,2 مليار يورو عام 2022.

وبلغت قيمة الصادرات الفرنسية إلى الجزائر 4,49 مليارات يورو عام 2023، بينما بلغ إجمالي واردات السلع الجزائرية إلى فرنسا 7,3 مليارات يورو، وفي عام 2023، احتفظت الجزائر بمكانتها، بصفتها ثان أهم سوق للمبيعات الفرنسية في أفريقيا.

وفي الجانب السياسي فإن أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الجزائر، زهير بوعمامة، يربط مستقبل العلاقات بين البلدين بـ “جدية الفرنسيين في استغلال النافذة التي فُتحت من قبل الجزائر للذهاب نحو التهدئة وقطع الطريق أمام اليمين المتطرف”.

ويعتقد زهير بوعمامة في تصريحه لـ”الحرة” أن الجزائر تترقب طبيعة الأجوبة والاستجابات بشأن المطالب التي طرحتها، وفق قاعدة المصالح المتبادلة، مؤكدا “وجود مؤشرات إيجابية لكنها غير كافية للتهدئة”.

وحسب المتحدث فإن العلاقات في الوقت الراهن تعيش “أزمة ثقة حقيقية” موجودة بين الطرفين.

كما أشار إلى أن إعادة بناء جسور الثقة يتطلب “تواصلا وعودة للحوار”، وفق المحلل الجزائري الذي أضاف بأن ما يحدث في الوقت الراهن هو ” مسار لمعالجة الخلافات الكثيرة”، مستدركا أن ذلك “لا يعني نهايتها، لأن الوضع الحالي يتطلب تنازلات حقيقية”.

وكان وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو أعلن في ختام زيارته للجزائر الأحد الماضي عن “مرحلة جديدة في علاقة ندية” بين باريس والجزائر، واستئناف التعاون بين البلدين في جميع القطاعات.

عبد السلام بارودي – الحرة

 

Exit mobile version