عقل القلوظة الديمقراطي
بصورة عامة، لا تبالغ في التعميم، نلاحظ أن شرائح واسعة من الطبقة السياسية السودانية وقادة الرأي العام يتمتعون بعقل فساد ميتافيزيغي بامتياز. وهنا لا أقصد الدين بمعناه المعروف بل أقصد الدوغما والعجز عن مراجعة الأفكار والمسلمات علي ضوء أدلة جديدة.
العقل المتزن الباحث عن الحقيقة المعلوماتية والأخلاقية علي إستعداد دائم لتعديل أفكاره ومعتقداته علي ضوء الحقائق التي تتجدد يوميا. أي أنه يرجع للواقع كما هو لتصحيح أفكاره. أما العقل الفاسد فيمتلك معتقدات صمدية يؤمن بها أيمانا دينيا غير قابل للمراجعة. ولو ناقض الواقع الموضوعي أفكاره لا يراجع تلك الأفكار بل يسعي لقلوظة الحقائق الموضوعية حتي تتواءم مع أفكاره المسبقة النهائية غير القابلة للتعديل لانها عقيدة علمانية، أو دينية، لا فرق.
علي سبيل المثال، في بدايات هذه الحرب اللعينة قلنا أن هروب السكان من أي بلدة يقترب منها الجنجا معلومة في غاية الأهمية لفهم أن هذه الحرب ضد الشعب وليست ضد الكيزان أو الجيش حصريا.
ساء أحد دعاة المدنية والعلمانية والحداثة ما يراه من هروب الشعب من جحافل الجنجا إلي مناطق سيطرة الجيش. وبدلا من أن يراجع فهمه لطبيعة الحرب في كونها حربا ضد الدولة وضد المواطن الذي لا علاقة له بجيش ولا كيزان قرر ذلك الرجل أن يقلوظ الصورة الذهنية للواقع فأفتى بان المواطنين يهربون من قراهم بسبب القصف الجوي من قبل الجيش وليس بسبب اقتراب أو دخول الجنجا.
ولكن ما حدث بعد ذلك هو هروب المواطنين من عشرات القري التي لم تقترب منها لا طائرة ولا كودندارة تابعة للجيش. هربوا لانهم خافوا من الجنجا ومن الإغتصاب و الإذلال. ولكن ذلك الرجل إطلاقا لم يراجع الفتوي التي قلوظ بها الصورة الذهنية للواقع لانه لم يخرج باحثا عن الحقيقة بل باحثا عن مبررات نظرية لمسبقات دينه “المدني الديمقراطي” الفاسد الذي يختزل الفضيلة في النيل من كيزان وجيش بالحق أو بغيره، لا فرق. أما عنف الجنجويد والغزو الأجنبي، فتلك قضايا جانبية .
معتصم اقرع