مطرقة أحمد طه قد حطمت مسلمات صندل
لقد تابعت المقابلة الصحفية التي أُجريت على قناة الجزيرة بين المذيع أحمد طه والسيد سليمان صندل، وقد شاهدت كيف تهاوى الأخير أمام نيران مطارق الأسئلة، التي كسرت مسلَّماته السياسية التي طرحها بكل وقاحة. فقد كانت معظم الأسئلة صعبة ومؤلمة، وكان صندل يعاني في محاولة الإجابة عليها، ليظهر ضعفه أمام دقة المذيع وحرفيته في تناول الموضوعات.
من أبرز الأسئلة التي طرحت عليه، كان تساؤل المذيع حول جدوى استمرار دعوى تشكيل حكومة موازية في مناطق الدعم السريع بعد الانتصارات المتتالية للجيش، التي باتت تقضي على هذا المشروع يوماً بعد يوم. وكان الرد في البداية عبارة عن مقدمة هزيلة، تدعي أن هذه الحكومة هي “حكومة ثورة”، تهدف إلى استعادة شرعية ثورة ديسمبر التي، كما يعتقد صندل، كان الدعم السريع جزءاً أصيلاً منها. لكنه كان يتجاهل في حديثه عن استصحاب شعارات الشباب الثائر التي نادت بـ “الجنجويد ينحل”، وهو ما يعكس التضليل الذي يعتمده.
لقد حاول صندل تبرير موقفه قائلاً إنها حكومة لاستعادة شرعية ثورة ديسمبر التي كان يرأسها حمدوك. استوقفه المذيع أحمد طه قائلاً إن الشرعية التي كانت تُنسب لحمدوك قد انتهت مع استقالته، خاصة بعدما رفضت القوى المدنية والشباب الثائر العودة إلى الشراكة معه بعد انقلاب 25 أكتوبر. فكان رد صندل محيراً، إذ أشار إلى أن “الأخوة في قوى الحرية والتغيير لم يوافقوا على العودة واعتبروها غير شرعية لأنهم لم يُستشاروا”.
ثم سأله طه عن مدى واقعية تشكيل حكومة موازية، في ظل التقلص المستمر لمناطق سيطرة الدعم السريع، فأجاب صندل إجابة عامة ومضللة، حيث قال إن هذه الحكومة هي حكومة “السودان” وليست مقتصرة على مناطق الدعم السريع فقط، وأن هدفها استعادة الشرعية الحقيقية من حكومة بورتسودان. لكن المذيع لم يتركه، بل استوقفه قائلاً: “إذا كانت حكومة بورتسودان، رغم الزيارات والتعاملات العديدة معها، لا تزال تُعتبر غير شرعية في نظر المجتمع الدولي، فكيف لحكومة موازية في مناطق الدعم السريع، برئاسة صندل، أن تحظى بالشرعية والدعم الدولي؟”.
عند هذا السؤال، حاول صندل مجددًا ستر حكومته المشبوهة وراء ستار الثورة، قائلاً إنها “حكومة ثورة” تسعى لاستعادة شرعية ثورة من “الجيش المجرم”. ثم جاء السؤال الأكثر دهاءً من طه، الذي استنكر كيف أن “الجيش المجرم” الذي يصفه صندل هو نفسه الجيش الذي اعتصم معه في القصر وطالبه بإطاحة حكومة الثورة التي يسعى الآن لاستعادتها. فكانت إجابة صندل أسوأ من ذنبه، حيث قال إنه “تم خداعهم”، وهي إجابة فاضحة لم تشفِ غليل المذيع.
وفي منتصف المداخلة، حاول صندل بشكل غير مبرر الفصل بين التنديد السياسي والعمل السياسي، هروباً من سؤال المذيع الذي استنكر صعوبة العثور على أي إدانة لانتهاكات الدعم السريع في صفحته على منصة “إكس”، والتي تُركز بالكامل على إدانة الجيش. وعندما ضغط المذيع عليه، رد قائلاً: “هل تريدني بوقًا للإسلاميين والمؤتمر الوطني؟”، رغم أنه كان يعلم أن جزءًا كبيرًا من انتهاكات الحرب يتم نسبته إلى الجنجويد عبر منصات حقوق الإنسان. فهل هؤلاء أبواق للمؤتمر الوطني؟
أما موقف صندل فلا يُعد جديدًا في جوهره، لكن الجديد هو تأكيده أن حزب الأمة من المؤيدين لهذه الحكومة المزعومة، رغم أنه قد طرح في بيان رسمي رفضه تشكيل أي حكومة موازية. وهنا يبقى السؤال: هل سنشهد شرخًا في تنسيقية “تقدُّم”، بسبب إصرار بعض أعضائها على تشكيل حكومة موازية في مناطق الدعم السريع؟ وما هي تبعات هذا الشرخ على مستقبل هذه القوى المدنية التي دخلت في نفق مظلم يزداد عمقًا كل يوم، حتى يتحول إلى هاوية تبتلعهم جميعًا؟
الأسئلة ما تزال مفتوحة، والمستقبل يبدو غامضًا للقوى التي تتنقل بين المتاهات السياسية، بينما تزداد الخيارات ضيقًا، حتى تكاد تتحول السياسة إلى لعبة بيد من لا يحسن التعامل معها.
منتصر عمر