• كانت الاحتفالات بتحرير مدني ( أكبر ) من أن يتجاهلها ياسر عرمان، وكانت ( دلالتها ) على الموقف الشعبي مع الجيش وضد الميليشيا ( أظهر ) من أن يتركها دون محاولة نفي، وكان ( تعارضها ) مع موقف “تقدم” من الجيش والميليشيا والداعمين لكل منهما ( أوضح ) من أن يتركه دون تعليق. كل هذا فرض عليه أن يجعل الاحتفالات مدخل مقاله عن تحرير مدني ليقول في مقاله بخصوص تحرير مدني : ( من حق الناس أن يفرحوا ومنهم من يشده الحنين للبيت والشارع ولمدني المدينة والثقافة ودور العلم والنضال الوطني )، وليضيف في جزء آخر من المقال: ( مدني مدنية عصية على المؤتمر الوطني فلا غبار لمن يحتفي ويود الرجوع لمنزله من النزوح واللجوء والألم):
• الأمر الذي يُفهَم من المقال مباشرةً هو أن هذه الاحتفالات قد أزعجته بضخامتها ودلالاتها، أو على الأقل أنه يتوقع أن الناس سوف يعتقدون أنها قد أزعجته، ولذلك كان واضحاً أنه كتب لينفي انزعاجه، لكن طريقة تناوله قد أثبتت أن انزعاجه شديد!
• إذ لم يكتب ليشارك الناس فرحتهم، وليحدثهم عن فرحته الخاصة، وإنما ليتعامل مع الفرح وكأنه شأن يخص آخرين، وكأن “حقهم” فيه محل شك، ليعترف لهم هو بالحق في الفرح، وبأن فرحهم “لا غبار” عليه، لكن بشرط ألا يحمل أي دلالة تزعجه وتزعج الميليشيا!.
• ولهذا خصص أول جملة في المقال “لتفسير” هذا الفرح، و”تجريده” من أي دلالة على موقف الناس من الجيش ومن الميليشيا، وهي محاولة فاشلة لا يسندها أي منطق.
• الملاحظ أنه تجنب تماماً الحديث عن “تحرير مدني”، وتجنب استخدام أي كلمة أخرى لوصف ما حدث في مدني ودعاه للكتابة، وكذلك تجنب ذكر “الدعم السريع” في كامل المقال!
• فرحة الشعب السوداني هي فرحة لأجل الوطن الذي يواجه عدواناً من الداخل ومن الخارج، وليست فرحة لأجل حزب أو جماعة، لكن مقال عرمان يحمل تجييراً ضمنياً للانتصار لمصلحة المؤتمر الوطني، رغم أنه أراد العكس!
• الفرحة بتحرير مدني عمت كل السودان، ولم تكن خاصة بأهل مدني لكي يتم عزلها عن الموقف العام ضد الميليشيا وتفسيرها بحنين الناس إلى بيوتهم، وكأنها بالتالي أمر خاص بأهل مدني فقط. وحتى حنين الناس لبيوتهم هو بالضرورة موقف ضد الميليشيا التي احتلتها وشردتهم منها، وهو بالضرورة موقف مع الجيش الذي حررها.
• الغريب في الأمر أن ياسر عرمان الذي يعترف بأهمية قضية البيوت، ويجعلها السبب الرئيسي للفرحة، الذي يجردها من أي مدلول سياسي، هو نفسه ياسر الذي تجاهل، مع رفاقه، في “إعلان أديس أبابا” أي ذكر “لإعلان جدة”، وأجاب على سؤال أحمد طه: ( لماذا لم ترد قضية إخلاء المنازل في وثيقة أديس أبابا بشكل واضح وصريح؟ ) ياسر عرمان: ( يا أستاذ أحمد قضية الخروج هذه “مجرد مزايدة”، الخروج من منازل الناس يتم في إطار متكامل لحماية المدنيين، ووقف الحرب، وإيجاد قوات تفصل بين الطرفين، وفي فترة طويلة لوقف العدائيات بشكل إنساني، ووقف قصف الطيران الذي يدمر هذه المنازل نفسها )!*
إبراهيم عثمان