أحداث ود مدني وفقه تصانيف الحرب
بصورة عامة ، في خضم هذه الحرب نلاحظ انقسام الشعب السوداني إلي معسكرات:
ألف: معسكر الحلف الجنجويدي بشقيه السري والعلني.
باء: معسكر المحايدون وهم قوم يرون أن الجيش والجنجويد علي نفس الدرجة من السوء.
جيم: المعسكر الرافض بحزم للمشروع الجنجويدي وبه شقين، أحدهما إسلامي واخر لا علاقة له بالإسلاميين ولكنه حريص علي بقاء مؤسسات الدولة وايقاف العنف الجنجويدي المفرط الذي لا يمكن مقارنته بأي إنتهاكات تحدث من جيش لا يتمتع بكمال ولكنه يظل مؤسسة دولة واجبة الإصلاح أما الجنجويد فلا مكان لهم في مجتمع سياسي صحي. وهذا يتسق مع شعار الثورة الذي قال العسكر للثكانات والجنجويد ينحل. وهكذا ميز شعار الثورة بوضوح وقال بان الجيش والجنجويد لا يتساويان أحدهما لحل واحدهما للثكانات من أجل حماية الوطن والدولة والتصدي للغزاة الأجانب.
المعسكران ألف و جيم ردود فعلهما لتحرير مدينة ود مدني متوقعة تماما ما بين فرحة وعويل وخلبصات. لكن السؤال لمعسكر باء الذي لا يري فرق بين جيش وجنويد هو كيف يفسرون الفرحة العارمة التي عبر عنها ملايين السودانيين في مدنه المختلفة بل في مدن الشتات مثل القاهرة والإسكندرية ومدن الخليج؟
هذه الفرحة المليونية الموثقة تقول بالصوت الواضح أن الشعب غير محايد ويري وجود فرق مهول بين الجيش والجنجويد، وحتي لو كان فرق مقدار، ففي بعض الأوضاع المقدار هو كل شيء. وفي حد ما، يتحول فرق المقدار إلي فرق نوع ولكن هذا لا يهم، فرق المقدار أحيانا يكفي للإختيار كما فعل الشعب المحتفل.
إذا أصر معسكر باء بان لا فرق بين جيش وجنجويد، فلا مفر له من الإستنتاج بان الملايين الذين احتفلوا بتحرير مدني هم كيزان – وفي هذا أعظم هدية مجانية للكيزان تاتيه برعاية العسكر باء.
أما لو رفض المعسكر كوزنة الملايين المحتفلين فان الخيار الوحيد المتبقي هو اتهامهم بانهم أغبياء لا يفهمون ألا فرق بين جيش وكيزان. وهذا التطابق بينهما يفرض عليهم اللا مبالاة بتحرير مدني وعدم الإحتفال لان خروج الجنجويد ودخول الجيش لا يغير شيئا في حياتهم. ويترتب علي هؤلاء الأغبياء الذين يفضلون وجود الجيش علي الجنجويد أن يسلموا زمام أمرهم لحكماء وحكيمات معسكر باء حتي يفكروا نيابة عنهم لانهم لا يعرفون مصلحتهم حتي في قضية أساسية تتعلق بغريزة البقاء علي قيد الحياة أمنين من أن تحبل نسائهم من جنود الجنجا ما قد يدفعهن للإنتحار.
أما أن ملايين الفرحين بتحرير أغبياء معلوفين يستحقونCلوصاية الفكرية من أعلام المعسكر باء أو أن قادة راي المعسكر أخطاوا التقدير. من ناحيتي، لا أستطيع أن أتعامل مع شعب مليوني بهذا التعالي وروح الوصاية في قضايا بسيطة دع عنك في قضايا البقاء علي قيد الحياة التي تعرفها كل بهيمة علي أكمل وجه. ولا أستطيع أن أكيل إتهامات بالجملة لمعسكر باء بمناصرة الجنجويد ولا أجروء أن أطعن في وطنيتهم ولا أبخس إسهامهم الوطني الباسق عبر التاريخ رغم وجود أصوات بابوية في أوساطهم مدججة بالأختام الثورية تكوزن المخالف وتطرده من كنيسة اليسار لو انحرف عن صراطهم المستقيم.
لذلك أعتقد أن المعسكر باء أخطأ التقدير، غالبا بحسن نية وطنية. أخطأ المعسكر حين اختزل هذه الحرب بين معسكري جيش/كيزان وجنجويد. حتي لو قبلنا هذه الفرضية فانها تظل إختزال يذهل عن بعد آخر من أبعاد الحرب لا يقل أهمية وهو إنها حرب الجنجويد ضد الدولة في تاريخها وذاكرتها ومتاحفها وبنيتها التحتية وهي أيضا حرب الجنجويد ضد المواطن في ماله وعرضه وحياته وكرامته.
ولو جاز الحياد في حرب بين جيش/كيزان وجنجويد فانه لا يجوز في حرب الجنجويد ضد المواطن وضد الدولة كما لا يجوز الحياد في حرب هي في حقيقة أحد أبعادها غزوا أجنبيا ممولا ومسلحا بسخاء حاتمي من الخارج بما يجعل الحياد فيها تساهلا مع الإستعمار لن ينساه التاريخ وسيشنق به اليمين الديني خصومه في مستقبل طويل.
إن الصف الوطني المعادي للجنجويد ممتلئ بافراد وجماعات لا علاقة لهم بإسلاميين من بعيد أو قريب ولا يستطيع أحد المزايدة علي تاريخهم ومواقفهم المناصرة للديمقراطية وحقوق الإنسان. وهذه المجموعات اختارت ألا تحايد لانها رات بعدي الحرب المتمثلين في أنها حرب الجنجويد ضد بقاء الدولة وحربهم ضد حياة المواطن وجسد نساءه وماله. كما راوا إنها غزوا أجنبيا لا يمكن التسامح معه.
القول بان ملايين من الذين تصدوا للغزو الجنجويدي كل حسب طاقته لا علاقة لهم بالكيزان لا يغمط الكيزان واليمين الديني حقه ولا ينكر مساهمتهم الكبيرة في التصدي لهمجية الجنجويد. النقطة هي أن دحر المشروع الجنجويدى لحظة وطنية تؤجل الخلافات المذهبية بين أبناء وبنات الوطن لتساهم جميع ألوان الطيف في تحرير وطنها. وهذا هو منطق اللحظة الوطنية الذي جعل الجبهة الشعبية الفلسطينية وهي تنظيم ماركسي شيوعي وكذلك الجبهة الديمقراطية اليسارية تخوضان إنتخابات الجامعات البلسطينية وغيرها من الإنتخابات في لستة موحدة مع أخوان حرماس بل ويقاتلون معهم ويقتسمون المال والسلاح والطعام. وهو من جنس المنطق الذي حدا بالاتحاد السوفيتي الشيوعي للتحالف مع أمريكا وبريطانيا وفرنسا لدحر النازية الهتلرية.
ولكن التصدي الحازم لهمجية الجنجويد لا يستدعي بالضرورة التعاون أو التنسيق مع جيش أو كيزان إذ يستطيع كل فرد أو جماعة أن يقدم اسهامه في حماية الوطن من جرمهم من منصته المستقلة تماما عن جيش أو كيزان وهذا ما يفعله كثيرون يقاومون الجنجويد مع الشعب ومن عمق صفوفه ولا يختلطون بكيزان أو جيش . وهذا خيار ا كان متاحا منذ الطلقة الأولي وما زال متاحا.
أعتقد أن خلق إطار فكري ونفسي يصور هذه الحرب علي إنها فقط بين جنرالين أو بين جيش كيزان وجنجويد سوف يقدم إنتصار المجتمع السوداني وتحرره من الجنجويد قربانا وهدية رائعة تنسب النصر حصريا للكيزان والتيار الإسلامي العريض، وهذا هدف آخر تحرزه الحركة العلمانية السودانية في مرماها بتحويل صمود الملايين الذين لا علاقة لهم بالكيزان إلي رصيد وإنجاز كيزاني.
ولا شك أن بني كوز سيقبلون الهدية شاكرون ويعتبرونها في أفاءه الله لهم من غير تعب. وكما يقول أهل السودان، الشعب الذي أسقط نظام البشير يجقلب والشكر للكيزان. للتيار الديني السوداني حقه المستحق بتضحياته في التصدي للغزو الأجنبي الجنجويدي ولكن لا يملك الأصدقاء في المعسكر باء حق أن يهدوا إسهام الآخرين لليمين الديني لان في ذلك عطية من لا يملك لمن لا يستحق.
معتصم اقرع