من الدمازين إلى مدني ، شواهد ومشاهد
فجرا انطلقت سيارتنا من الدمازين صوب ودمدني في رحلة تمتد لساعات طويلة رافقني فيها الزميل الطاهر المرضي والزميل احمد البصيلي
طريقنا يمر بتعرجات كثيرة وطرق مهترئة ومدن تحاول النهوض من تحت ركام الحرب
الطاهر المرضي شخص قلق بطبيعة الحال ، البصيلي رجل هادئ رزين وقليل الحديث ،أنا استمتع بمشاكسة المرضي الذي كان في حالة توجس دائما من الرحلة وخوف من الطريق مع كل رأس ساعة أداعب المرضي (انت عارف يا المرضي قالوا الطريق من الحاج عبدالله إلى مدني كلو الإلغام الحل شنو؟ ينفجر البصيلي ضاحكا وهو يقود العربة بهدؤ شديد أتدخل بشدة يا حبيبنا اسرع شوية الشارع دا نضيف ، ثم أقود أنا لمسافات قصيرة من ابوحجار إلى سنجة من مدخل مدني إلى حنتوب
الطريق إلى مدني من الدمازين يمر بعدة مدن مثل ود النيل ابوحجار وسنجة ومايرنو وسنار والحداد والحاج عبدالله والشكابات ثم مدخل مدني
الحياة تبدو طبيعية من الدمازين إلى سنار ، الأسواق تزدحم بالناس في ابوحجار وسنجة ود النيل وجلقني وهارون وشمار ومايرنو ، حركات السيارات والبصات السفرية لا تتوقف في هذا الطريق وصولا إلى سنار
بعد الخروج من سنار صوب ود الحداد يبدو الطريق مخيفا لا توجد حركة غير سيارات الجيش المتجه صوب مدني ، ود الحداد تبدو افضل حالا من الحاج عبدالله التي تعاني من خراب كبير ، عشرات السيارات ملقية على قارع الطريق وهي في حالة تحطم تام ، الأسواق مدمرة والمحلات التجارية مسروقة ولا حركة البتة للمواطنين في الحاج عبدالله ، تبدأ حركة السكان بمجرد الدخول إلى مناطق الشكابات ،العشرات من المواطنين اصطفوا على ارصفة الطريق وهم يهتفون جيش واحد شعبا واحد ، وهم يحملون حافظات المياة لإكرام الجيش ، نساء وأطفال يذرفون الدموع في مناطق الشكابة ومدخل مدني
عقارب الساعة تشير الرابعة عصرا كان موعدنا مع دخول مدينة ود مدني ،المدينة التي كانت عنوان للجمال باتت اشبه بالخرابة التي ينعق فيها البؤم ، الشوارع مليئة بآثار المعارك من فوارغ الرصاص وروائح البارود ، رائحة الموت تفوح من كل مكان عند مدخل الفرقة الآولى وجدنا عدد من الجثث سألنا محدثنا ذكر أنهم قتلى من الدعم السريع ، من الفرقة الأولى توجهنا صوب شارع النيل
وجدنا طائرة الفريق الكباشي هبطت تواً ،استقبل بواسطة العشرات من الذين فضلوا البقاء في مدني ، بعدها ألقى كباشي خطابا في ساحة مهبط ترابي للطيران بحي المطار مدني ، قبل ان تقلع طائرته الهليكوبتر عائدة صوب بورتسودان
مدني المدينة تبدو حزينة بعد ان هجرها اهلها فرارا من جحيم الجنجويد ،حيث لا ماء ولا كهرباء ولا اتصالات ولا محلات تجارية تعمل،جميع المحلات التجارية وأماكن الترفيه في شارع النيل مدني محطمة ،مستشفياتها تحولت لحطام، عند مدخل جسر حنتوب غربا عدد من الجثث المتفحمة ،والسيارات القتالية المحروقة ، الجيش ودرع السودان والمشتركة وبقية القوات النظامية يتنشرون في كل أنحاء مدني ،أصوات الرصاص الاحتفالية تسمع في كل أنحاء مدني ،وسط اصوات زغاريد نساء فضلن البقاء في مدني رغم القهر
حتى مدني كما كانت فإنها تحتاج تضافر جهود أبنائها في كل مكان،فالحرب دمرت كل شئ وسلبت جمال مدني وألقاها وأحالتها إلى مدينة تبكي على ماضيها وتندب حاضرها
عبدالرؤوف طه علي