رأي ومقالات

ود مدني.. بشارة الفرح والخلاص

ود مدني.. نرتشف حبها ويتردد اسمها مع أنفاسنا وتنثر أريجها على امتداد وجداننا.. المدن كالنساء لكل منهن سحرٌ يميزها، لكنّ مدني حسناءُ تختفي معها زينة كل النساء وإن سطعن كالقمر في ظلام الليل.. تُهديك من أنفاسها إكليلا وتبتسم لك مع انبلاج فجرها وقبلات شمسها.. تُؤنس روحك وأنت تدخلها بجموح عاشق ٍ التقى معشوقه بعد طول غياب..

مدينة الرجل الصالح مدني السني.. دخلها الجنجويد الأوباش قبل عام وهتكوا سترها وأسالوا دمعها، فتداعت لها كل مدن السودان بالسهر والحمى، لأنها بلاد الخير ومراقد الصلاح وقرائح الشعراء وحناجر الفنانين، ولأن أرض المحنة نفوسٌ طيبة تتمدد كبساطها الأخضر، وقلوبٌ بيضاء تماثل لوزات قطنها التي تعانق ندى الصباح..

مدني وكل حواضر وقرى الأرض المروية بالحب والحنان، أسرجت اليوم خيلها وقرعت طبول فرحها بيوم نصرها وتاريخ تحريرها.. نفضت عنها غبار سنابك الجنجا ومسحت دموع أحزانها.. تعطرت بمِسك حقولها وتزينت بسندسٍ واستبرق لعرسٍ طال انتظاره..

وبعد أن اكتحلت الفاتنة بمِرواد النصر دلقت عصارة حبها في شوارع وبيوت ومدن السودان، لأنها تعرف وجد ووله العشاق بها، وتدرك أن أكثر علاقات الحب صدقاً تلك التي تنشأ مع ويلات الحروب ومكابدة المِحن، وها هي اليوم تخرج من محنتها لتؤكد أنها مدينة للقلب..

هناك على المشارف والأفق المترامي.. بدأ تطويق المدينة أولا بالحب ومن ثم بدأ زحف الجنود البواسل بجباههم المتعرقة في عز الشتاء وعيونهم تلتمع بالنصر وقلوبهم تنبض بحب الوطن الذي يعانق الروح كنبض الحياة.. كانت المدينة تتلهف لاحتضانهم لأنها تحتضن فيهم الوطن الكبير..

بدأ الجيش بكل تشكيلاته زحفه المبارك وهدير أبطاله مثل سيل منحدر، وقلوب كل الشعب تخفق للحظة الفرح، والعيونُ طال سهادها لسماع الخبر.. هطلوا عليها مثل مطر الخريف.. مثل النسور التي لا ترضى إلا بالقمم، والأسود التي لا تعرف التراجع.. صادموا الرياح ليبلغوا قلبها وروحها… ما لانت لهم عزيمة ولم تنكسر لهم إرادة… بذلوا في سبيل تحريرها الأرواح.. ورووا بدمائهم الطاهرة أرضها الطيبة.. وسكبوا عرقهم لتشمخ سنابل قمحها..

وفي لحظة الفجر المنتظر، أشرقت شمس النصر على مدينة ود مدني.. تنفست من أعماقها، واستعادت روحها بفضل بسالة الأبطال…علتْ الهتافات في كل أرجائها، وبادلتها مدن السودان شهيقا بزفير، وفاحت رائحة التحرير العطرة وعمت القرى والحواضر والمدن ، وفاضت دموع المحبين بالفرح، ولهجت الألسنُ تمجيدا ودعاءً لمن سطروا بدمائهم الطاهرة ملحمة ًخالدة ً في سفر البطولة والفداء..
ود مدني.. أنت البداية لموسم الأفراح…
ود مدني.. كيف أوضح.. وهل في الحب إيضاح.

Alzubair Naiel