التعايشي للبي بي سي
إستمعت للأستاذ محمد الحسن التعايشي في اللقاء الأخير مع أحمد طه. وربما كانت هذه أول مرة أستمع للأستاذ بإنتباه. لفت نظري وضوح حجة الأستاذ وسلامة نطقه وترتيب أفكاره ولكن أكثر ما أثار إعجابي هو فخامة خامة صوته التي تؤهله لان يكون مذيعا في أجعص مؤسسات الإعلام العالمي مثل ألبي بي سي والجزيرة والسي إن إن.
أيضا يؤهله الصوت المهيب لان يكون ممثلا أو أستاذا للأدب العربي أو العبري أو خطيبا في مسجد أو كنيسة أو كنيس في أورشليم.
من ناحية المحتوي، ظهر الأستاذ التعايشي كسياسي مرتفع المواهب يجيد اللعب بالبيضة والحجر وهذا من خواص الركانة المخضرمين الذين جودوا مناورات السفسطة وفنون اللف والدوران. قد اتضحت مقدرة الأستاذ علي المناورة بالهروب الماهر من سؤالين.
فقد سأله السيد أحمد طه عن صحة ما قاله ممثل الأخوان المسلمين من أن الحكومة الانتقالية نزعت دار جمعية القران الكريم واعطته لجمعية مثليين. وهذا سؤال يمكن الإجابة عليه بنعم أو لا أو حتي لا أدري رغم أن اللا-أدرية إجابة غير مقبولة من عضو مجلس سيادة في قضية في غاية الحساسية.
والقول بان الأستاذ التعايشي كان مطالبا بإجابة واضحة لا يعني تحيز مع أو ضد مثليين، فتلك قضية أخري قلنا سابقا فيها إن الإنسان حر ما لم يؤذ غيره أو يستفزهم بلا مبرر ولن نغمط أحد حقه في إقامة دار ما دام لا يعتدي علي أخرين. كما إن إعطاء المثليين دارا قضية ولكن منحهم دارا منزوعة من جمعية القران الكريم يضع القضية في بعد آخر من الإستفزاز.
وبدلا عن الإجابة الواضحة دخل الأستاذ في مونولوج عن سوءات الكيزان وبيوت تعذيبهم وبقية السردية المعروفة. ولو كان إدعاء رجل الكيزان باطلا لم يحدث فقد كان بإمكان الأستاذ التعايشي أن يشنقه بتهمة الكذب والإثارة الصفراء ولكنه لم يفعل.
لا أدري صحة ما قال رجل الكيزان ولا تهمني القضية في حد ذاتها وتعليقي فقط يهتم بالبعد الركاني في مناورات الأستاذ التعايشي. إذ أصبح إستدعاء سوء الكيزان هو الملاذ الامن من كل مساءلة سياسية أو أخلاقية.
أيضا زاغ الأستاذ بمهارة يحسد عليها عندما سأله أحمد طه عن لماذا يهرب السكان من قراهم إذا قاربها جنجويد ويعودون إليها إذا استردها الجيش. لم يرد الأستاذ التعايشي علي السؤال ودخل في جولة من السفسطة الرائعة عن مفاهيم الأمن والمؤسسات وكل ما لا علاقة له بالسؤال.
لم تكن مشكلة السيد التعايشي في تمكنه من القضية، فقد كان جيد الذكاء، ولا في صوته، الذي كان أكثر من رائع. تكمن مشكلة الأستاذ في إنه إنسان يبدو عليه الوقار والمحترمية ولكنه أختار الدفاع عن قضية فاسدة هو أول من يعلم بفسادها الذي لا قاع له. وهذا خيار لا أدري هل يمكن تفسيره بمادية مبتذلة أم بالركون لعلم النفس الشخصي أو السياسي أو قضية الإدمان.
من المعروف أن السلطة أفيون قال عنها أحمد سليمان إنها ألذ من العرس ومن يدمن المخدرات يعاني بشدة حين يفقد الوصول إليها.
أتمني ألا يكون الأستاذ في قبضة أعراض انسحاب أفيون السلطة نتيجة الحرمان المفاجئ من السيارات الفاخرة، والقصر المجاني للسكن، والسائقين، والقدرة على الاختلاط بالرجال الكبار من داخل وخارج السودان.
ومن المعروف أن تجار المخدرات المهرة في البداية يعطون الصبي المادة بالمجان وبعد أن يتعود عليها يبدأون في السيطرة عليه وتطويعه حتي يعطيهم أعز ما يملك: ضميره. ثم يصبح في طوع بنانهم.
ومن المعروف أن المدمن قد يلجأ إلى ممارسات غريبة للحصول على المادة التي أدمنها: مثل بيع عائلته، أو بيع منزلهم أو ممتلكاتهم الأخرى، ويمكنه بيع لحمه ولحم غيره ولكن أن تصير فلنقاى لآل دقلو، وسادتهم في الخارج، بما فيهم ذلك الغلام الغر، أغم القفا، فذلك قاع آخر للقاع لم يعرفه إلا مدمنون فقدوا كل النخوة ولم يتبق من كرامتهم ولا رواب.
معتصم اقرع