🔴 متى تنتهي الحرب في السودان؟
تنتهي الحروب دائما بأحدى طريقين:
إما أن ينتصر طرف على الآخر وذلك بتحقيق أهدافه العسكرية و السياسية.
أو تنتهي بالوصول الى اتفاف تربح فيه جميع الأطراف عبر المفاوضات الأمنية و السياسية. إبتداء بالاعتراف المتبادل انتهاء بتقاسم السلطة و الثروة.
ولكن، والى أن يتحقق أحد الاحتمالين أعلاه، سوف تستمر حرب الاستنزاف بين الأطراف و أثناء ذلك يسعى كل طرف الى ايجاد وسائل ضغط و وسائل قوة، يتقوى بها على الآخر حتى يحقق أهدافه. دعنا نسقط ذلك على الأطراف السودانية المتحاربة و الداعمة لها، لنرى موقف كل طرف منها.
أولا موقف الدعم السريع
في اليوم الأول للحرب، حدد حميدتي أهدافه بالنص التالي: الاستيلاء على السلطة، قتل البرهان أو استسلامه، تحكيم الاتفاق الإطاري، تسليم السلطة الى أحزاب قحت. لاشك أن كل هذه الأهداف لم يتحقق منها شيئا. ولكنه بناءً عن ذلك صاح مطالبا بالمفاوضات. كما أنه إستطاع أن يحدد وسائل ضغط لاستنزاف القوات المسلحة منها:
قاد حملة اعلامية و ديبلوماسية لنزع الشرعية عنها وشيطنتها واتهامها. ولكنها فشلت وارتدت عليه.
كما أنه إستطاع أن يوسع دائرة الحرب على كثير من معسكرات الجيش، فشن نحو 180 هجوما على معسكر المدرعات، وقريبا منها على سلاح المهندسين، الاشارة، القيادة العامة، الفاشر، الابيض، بابنوسة. لم ينجح في الاستيلاء على أي منها جميعا بينما استلم الحاميات العسكرية في نيالا و كتم و الجنينة و مدني و سنجه.
كما أنه أستخدم وسيلة ارتكاب الجرائم على الشعب في ولايات الخرطوم و الجزيرة و سنار و دارفور و كردفان، للإبتزاز بها وفق معادلة الخيارين: إما مواصلة ارتكاب الجرائم و إما موافقة الحكومة على الجلوس للمفاوضات.
ومن الوسائل التي اعتمد عليها هي استجلاب دعم مالي وعسكري و مرتزقة، موثق من دولة الأمارات و كثير من دول العالم.
واستطاع أيجاد غطاء اعلامي و سياسي تقوده جماعة قحت و تقدم. إلا أن هذه الوسيلة كانت من أضعف نقاطه، حيث ارتدت عليه سلبيا.
أوجد الدعم السريع استنفارا قبليا يقوده نظار قبائل الرزيقات، المسيرية، الحوازمة. و هذه النقطة هي الاخرى ارتدت سلبيا على القبائل، لأنها أحدثت مقتلا كبيرا شمل آلاف القتلى من أبناء تلك القبائل، كما أحدث شرخا وانشقاقا اجتماعيا كبيرا داخل النسيج الاجتماعي لمجتمع هذه القبائل.
*ثانيا موقف القوات المسلحة*
وافقت القوات المسلحة على المفاوضات منذ بداية الحرب و تم الوصول الى اتفاف جده. لم يلتزم الدعم السريع بتنفيذ اتفاف جده، و بدلا عن ذلك، وسع دائرة الحرب و انتشاره في الولايات، و ارتكب فيها كل أنواع الجرائم. بعد ذلك، رتبت القوات المسلحة موقفها و أعلنت عنه في عدة نقاط:
أعلنت الحكومة أنها مستعدة لاكمال المفاوضات الأمنية فقط من أجل تنفيذ اتفاف جدة.
وأنها لن تشارك في أي مفاوضات سياسية قبل تنفيذ اتفاف جدة
كما أنها اعتبرت الدعم السريع عبارة عن فصيل متمرد على الدولة تحول الى منظمة ارهابية ارتكبت جميع أنواع الجرائم في حق المواطنين و الدولة، ولذلك لن يشارك كمؤسسة، في مستقبل الحياة السياسية و لا العسكرية في السودان حسب المبدأ العالمي لا تفاوض مع الإرهاب.
وبالتالي فان جميع من إرتبط بالدعم السريع، سيقدمون الى محاكمات قضائية عادلة و أن القضاء وحده هو الذي سيحدد مستقبلهم كأفراد.
كما أن الجيش السوداني إبتدر حالة التحول من مرحلة الدفاع الى الهجوم العسكري، لتحرير كل الاحياء السكنية و المدن التي احتلاها الدعم السريع.
و إستطاع خلالها أن يحقق إنتصارات عسكرية وسياسية كألاتي: حرر تقريبا نصف ولاية الخرطوم و يحاصر النصف الآخر وضاغط بقوة و يتقدم لتحريره. حرر كل ولاية سنار. حرر عدد كبير من قرى ومدن ولاية الجزيرة و يحاصر مدني وضاغط بقوة و يتقدم لتحريرها. حرر قاعدة الزرق و ضاغط في إتجاه الجنينة. سياسيا تمت ادانة المليشيا و ادانة دولة الأمارات محليا و عالميا على نطاق شامل، و خافت قحت/ تقدم من أن تعلن دعمها المستمر للمليشيا و ارتباطها بالعمالة الى دولة الأمارات كدليل على ضعف موقفها.
ومن أقوى النقاط التي يرتكز عليها الجيش السوداني هو السند الشعبي الضخم بالمال و الاعلام و الاستنفارات و الشرعية الشعبية، الذي يقوده ملايين النازحين، والأحزاب السياسية، والجماعات الدينية، و القبائل، وقد اصطف في ذلك العلمانيون و الاسلاميون و جزء من شباب ثورة ديسمبر و كل قدامى المحاربين و تنسيقيات القبائل و الجاليات السودانية بكل دول العالم و المهنيون و الفنانون و الصحفيون و عامة الشعب عبر ملايين الحسابات و المواقع على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.
*قحت تقدم*
تعتبر قحت/تقدم أن الرابح الأكبر من انتصار الجيش على الدعم السريع، سيكون الاسلاميون باعتبار أنهم أكثر فصيل منظم. وهذا موقف سياسي جائز. ولكنها سعت لسحب البساط من تحت اقدام الاسلاميين بطرق كلها غير مشروعة، كما أنها تتوافق جميعها مع مواقف المليشيا. إبتداء من العمالة للأمارات والمخابرات، محاولة نزع الشرعية من الحكومة السودانية، توقيع اتفاف أديس ابابا مع المليشيا، تكوين الادارة الاهلية في مناطق سيطرة المليشيا، انخراط قادتها و عضويتها في الحرب مباشرة في صفوف المليشيا، دعوة كبار قادتها من الجيش الى الاستسلام للمليشيا، التغطية على جرائم المليشيا مقابل فبركة اتهامات ضد الجيش، التخذيل ضد الجيش و تبخيس انتصاراته … الخ. هذه المواقف وغيرها، جعلت الشعب يصنف قحت/تقدم بأنها الفصيل السياسي للمليشيا و تتحمل المسؤولية أكبر من جنود المليشيا باعتبارها أنها أدارت ظهرها عن ملايين الضحايا وعن شرعية مؤسسات الدولة، كما أنها ظلت ساعية الى ايجاد غطاء سياسي و اعلامي لجرائم المليشيا و للدعم الخارجي الذي يتدفق عليها.
بعد أن استعرضنا مواقف الأطراف المحاربة والمساندة، دعنا الان نستعرض الفاتورة المدفوعة في الحرب.
لاشك أن الأموال التي ماتزال تنفقها دولة الأمارات في التسليح و الاعلام و المرتزقة و العملاء، لابد أنها تزيد على مئات المليارات من الدولارات و مئات الالاف من القتلى.
كما أنه لا شك أن الجرائم التي ارتكبتها المليشيا في ازهاق أرواح الناس و ممتلكلتهم و أموالهم و بيوتهم مصانعهم و محاصيلهم و شرف نسائهم و تدمير البنية التحتية لمؤسسات الدولة و مؤسسات القطاعين العام و الخاص، لابد أنها تزيد على مئات المليارات من الدولارات.
والسؤال المهم من هو من الأطراف المؤهل و الاقدر على تحمل الفاتورة التي ظل يدفعها؟ وهل هذا الاستمرار يتوقف فقط على حسابات الربح والخسارة المادية، أم الأخلاقية ايضا؟
فيما يتعلق بالموقف الأخلاقي، فان دولة الأمارات و عملائها من المليشيا و تقدم، موقفهم الأخلاقي أنهم في حالة تعدي وارتكاب الجرائم من أجل تحقيق أهداف سياسية و اقتصادية. بينما الموقف الأخلاقي للشعب السوداني وحكومته أنهم في حالة إلتزام و واجب أخلاقي و ديني للدفاع عن النفس وتحرير الأحياء السكنية والمدن المحتلة. لذا فشتان بين الموقفين الاخلاقيين اللذين يرتكز عليهما كل طرف من أجل مواصلة الحرب و يتحمل في سبيل ذلك الفاتورة التي ظل يدفعها. اذ لا يستوى الذي يحارب من أجل تحقيق أهداف سياسية و الذي يحارب من أجل الدفاع عن النفس والروح والمال والعرض و الشرف.
أخيرا وفق المعطيات أعلاه، نعود مرة أخرى لذات السؤال الذي بدأنا به مقالنا وهو متى تنتهي الحرب في السودان؟
يرى الكاتب أن الحرب لن تتوقف إلا وفق مسارين. الاول حينما يتوقف المعتدي عن اعتداءه و يكف عن ارتكاب جرائمه و يرجع الحقوق التي اغتصبها الى أصحابها و بالتالي تبدأ مرحلة الترتيبات السياسية، أو ينتصر عليهم أو يقهرهم فيعجزوا عن الدفاع عن أنفسهم حتى يستسلموا، وذلك مستحيل في حالة الشعب السوداني وكل شعب حر و صاحب إرادة. أما المسار الآخر هو أن يقوم الضحية، كما يفعل الان، بواجب الدفاع عن نفسه بدافع وواجب أخلاقي و ديني، متسلحا بقوة الحق أولا و بما يستطيعه من عتاد وسلاخ ورجال و تدريب ثانيا و فوق هذا و ذاك مستنصرا بالدعاء و مشيئة الله الذي حرم الظلم على نفسه و جعله محرما و وعده بنصر المظلومين المستضعفين.
بقلم د. محمد عثمان عوض الله