ماذا وراء المبادرة التركية؟

بالرغم من أن نائب وزير الخارجية التركي برهان الدين دوران الذي حطت طائرته اليوم في مطار بورتسودان التقى بوزير الخارجية علي يوسف ووزير المالية جبريل إبراهيم ورئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، وتحدث عن وصول ٣ بواخر تحمل ٨ آلاف طن من المساعدات الإنسانية، وكذلك إعادة فتح وكالة التنسيق والتعاون التركية وفرع للبنك الزراعي التركي في بورتسودان، إلا أن الهدف الأساسي من هذه الزيارة هو طرح مبادرة للوساطة بين الإمارات والسودان، عبر مبعوث أردوغان الشخصي، والذي لم يدلِ بتفاصيل كافية حول تلك المبادرة سوى أنها تتطلب جمع الفاعلين الإقليميين من أجل إنهاء الصراع في السودان، وقد تضمنت المبادرة_وفقًا لما رشح من معلومات_ فقرة أساسية وهى أن ترفع الإمارات يدها عن الميليشيا الإرهابية مقابل أن يسحب السودان شكواه ضدها في المحافل الدولية.

هنا يبدو أن تركيا تنطلق من موقف خاطئ في فهم حقيقة الحرب، وهى بالأساس عدوان على السودان حشدت له أبوظبي آلاف المرتزقة وجهزتهم بالأسلحة لقلب نظام الحكم أو خلق فوضى أمنية وتدمير مقدرات البلاد وتشريد شعبها، وبالتالي لا يحق لها أن تشترط لأنها الطرف المعتدي، فليس بينها والسودان نقاط نزاع حدودية أو حتى تقاطعات سياسية لتشن عليه كل هذا العدوان.

كذلك فإن الشكوى التي تقدمت بها الحكومة السودانية حق قانوني، وهى أضعف الإيمان في مثل هذا الحالات، وأي تنازل عنها يعني صك براءة للمجرم ومن يكفله، وحرمان للشعب من التعويض المستحق، وفاتورة الخسائر الباهظة، فمن يهدم بيتك لا يكفي أن يتوقف عن تجريدك من ملابسك مقابل التنازل عن الشكوى ضده، “تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى”.. عليه في الأول أن يعيد بناء البيت، ويكف عن التحرش بك، ويعيد الحقوق إلى أصحابها ثم بعد ذلك يطلب التنازل عن الشكوى، فقيدها أدمى المعِصم بالفعل وهى تعلم ذلك، وتمارس كافة الألاعيب إلى اليوم، وربما في هذه الساعة قد أفرغت طائراتها شحنات من الأسلحة لصالح التمرد، بل مؤكد ذلك، وهو أيضًا ما لا يجب أن تغفله تركيا وهى تخيط الجرح قبل نظافته جيداً، وهذا لا يقدح في ترحيب البرهان بالمبادرة، ولا يعني أيضًا التوقف عن رد العدوان وتحرير القرى والمدن المغتصبة من الجزيرة حتى الجنينة.

عزمي عبد الرازق

Exit mobile version