المحقق – نازك شمام
بعد أربعة أيام من بداية عملية استبدال العملة التي بدأت الثلاثاء الماضي، لا تزال الهواجس والمخاوف تحيط بالعملية على الرغم من الإقبال الكبير عليها من المواطنين في الولايات السبع التي حددها البنك المركزي في وقت سابق.
وتشهد المصارف إقبالاً مكثفاً من المواطنين لفتح الحسابات المصرفية وتوريد مدخراتهم من العملات فئات الـ 500-1000 جنيه بصورة غير مسبوقة، وعلى الرغم من التسهيلات التي منحها المركزي لفتح الحسابات الجديدة عبر نظام الأون لاين واعتماد الرقم الوطني كمستند إثبات إلا أن المصارف بفروعها المتعددة تزدحم بكافة شرائح المواطنين خلال ساعات الدوام والتي تم تمديدها للساعة السادسة مساء بدلاً عن الثالثة.
والخميس الماضي أكد الناطق الرسمي لاتحاد المصارف أحمد عبد الرحمن الحوري بأن عملية استبدال العملة تسير في أيامها الأولى بصورة جيدة ومنظمة وفي وضع أمني جيد في كل ولايات الاستبدال.
وقال في تصريحات صحفية إن “مجلس السيادة الانتقالي قد أصدر قراراً للمؤسسات الحكومية والخاصة بعدم استلام أي مدفوعات نقدية وأن تستلم مدفوعاتها عبر وسائل الدفع الإلكتروني والمصرفي”.
ودعا المواطن انتهاز الفرصة الراهنة في الإسراع بامتلاك الحساب المصرفي والتطبيق لأغراض الاستبدال والأغراض الأخرى وعلى رأسها التمكن من دفع الرسوم والمستحقات في مختلف معاملات الحكومة والمؤسسات العامة والخاصة. ودعا الحوري المواطنين إلى الاستفادة من فرصة فتح المصارف لأبوابها للاستبدال حتى السادسة مساء وأيام العطلات للإسراع في فتح الحسابات والتوريد تفاديا للزحمة التي تكون في الأيام الأخيرة.
وأكد بأن قرار بنك السودان المركزي هو أنه لا مد لفترة الاستبدال بعد الثالث والعشرين من ديسمبر الجاري وبعدها تصبح العملة القديمة من فئتي الألف والخمسمائة غير مبرئة للذمة في ولايات ومدن الاستبدال الأمر الذي يقتضي حرص المواطن على كسب الوقت وعدم انتظار الأيام الأخيرة وما فيها من مخاطر الازدحام.
وفي ظل الكثافة الكبيرة لعملية الاستبدال إلا أن المعوقات بدأت بالانكشاف منذ اليوم الأول عقب ظهور عملات مزورة في التوريدات التي استقبلتها المصارف في عدد من الولايات غير أن هذه العقبة انتبه لها البنك المركزي والذي شدد على لسان محافظ بنك السودان المركزي، برعي صديق الذي تفقد عدداً من المصارف العاملة بولاية البحر الأحمر، السبت، شدد على ضرورة فحص الأوراق النقدية بالمصارف التجارية قبل توريدها للبنك المركزي لافتاً الى أهمية توفير أجهزة كشف التزوير والتزييف للأوراق النقدية.
وعلى الرغم من المتابعة اللصيقة من قبل البنك المركزي إلا أن ثمة مخاوف من ظهور مشكلات أخرى وفي مقدمتها شبح شح السيولة الذي بدأ يطل على رأسه بعد أن حدد البنك المركزي سقفاً للسحوبات بمبلغ 200 ألف جنيه يومياً وأوقف كافة استثناءات السحب النقدي لجميع المؤسسات.
ويتخوف خبراء مصرفيين من ظهور أزمة سيولة خلال الأيام المقبلة تزامنا مع عملية استبدال العملات بسبب عدم تنشيط كافة وسائل الدفع الاليكتروني واقتصارها على عدد قليل من الوسائط واعتمادها شبه الكلي على تطبيق بنك واحد بما يصعب أن يحقق الشمول المالي.
ويؤكد المصرفيون فرضية هذه المخاوف بالنظر إلى التجارب المماثلة السابقة والتي كانت الدولة تبسط سيطرتها بجانب أن استخدام المواطنين للسيولة لا يزال قائماً بالاضافة إلى أن نسبة الكتلة النقدية خارج الجهاز المصرفي لا تزال مرتفعة.
وحذروا من مغبة أن تكون عملية استبدال العملة عاملاً لإحداث مشاكل اقتصادية بدلاً عن معالجتها وطالبوا المصارف بالاحتياط لمثل هذه المشاكل.
غير أن مصادر مطلعة ببنك السودان المركزي استبعدت بصورة قاطعة أن تحدث أزمة سيولة تزامناً مع العملية الاقتصادية الجارية الآن .
وأكدت في حديثها مع (المحقق) عدم وجود أي أزمة في الأوراق النقدية قاطعة بأن البنك المركزي قد قام بتوفير مبالغ كبيرة لهذه العملية.
وأشارت إلى تشجيع البنك المركزي لثقافة الدفع الاليكتروني وتقليص التعامل بالكاش في أضيق نطاق.
وأوضح تجار بأسواق بورتسودان على توفر السيولة بكثافة بالأسواق ونفوا وجود أي بوادر للأزمة في الوقت الحالي .
وقال التاجر بابكر ابراهيم بسوق بورتسودان “السيولة متوفرة بصورة كبيرة في الأسواق ولا توجد أزمة كاش”، وأوضح في حديثه مع (المحقق) أن عملية استبدال العملة التي تجرى خلال هذه الأيام لم تنعكس على توفر المبالغ النقدية في الأسواق، مشيراً إلى حركة الأسواق العادية تزامناً مع نهاية العام المالي.
وأكد على ازدحام البنوك من قبل المواطنين لتوريد المبالغ وفتح الحسابات المصرفية قبل نهاية فترة السماح المعلن عنها.
واستبعد الخبير المصرفي د. وليد دليل حدوث أزمة سيولة خلال الفترة المقبلة معولاً على التطبيقات البنكية في الاستخدام، وقال دليل لـ(المحقق) حتى وإن حدثت فيمكن أن تكون قصيرة الأجل، موضحاً أن قرار تغيير العملة يُعد من أنجع الحلول في نظر الاقتصاديين لامتصاص الأموال غير الشرعية في الاقتصاد المحلي.
وأشار إلى أن التضخم النقدي وانتشار العملات المُزورة وارتفاع معدل التهرّب وتحويل الأموال خارج البلاد من أهم الأسباب التي تدعو الدول لتغيير عملاتها للحد من الفساد المالي وبدء عصر مالي قوي جديد وجعل دفة القيادة في يد السُلطة العليا في الدولة وطرح عملة جديدة مُميزة في نوعيتها وتصميمها سببٌ مهم لتشجيع المواطن على التغيير، ويُعطيه الثقة من جديد في العملة الجديدة.
وقال دليل إن أهم المزايا التي تدعو لتغيير العملة، جلب الأموال السائلة إلى القطاع البنكي الرسمي للدولة وجذب الأموال المُتداولة في السوق المُوازي إلى القنوات الرسمية للدولة، وهذا يُساعد في معرفة حجم الأموال خارج القطاع الرسمي بدقة أكبر وإعادة توجيهها داخل الاقتصاد الوطني، وتقليل نسبة التضخم النقدي.
وأبان أن كل عملية تحويلية لابد أن يكون لها أثر مُعاكس حتى تكون عملية صحيحة، ومثال ذلك مسألة عدم ثقة المواطنين في العملة الجديدة والتوجه إلى اقتناء عملات أجنبية.
وأشار أن دعم النمو الإقتصادي وتحقيق إنطلاقة جديدة للإقتصاد وذلك عن طريق جذب الكتل النقدية من الأسواق الموازية الى الأسواق الرئيسية والرسمية، هذا بالإضافة إلى دور هذه العملية الإيجابي في جذب الأموال السائلة والمدخّرة نقدا وتشجيع حامليها على إيداعها في البنوك والمصارف وهو ما يدعم لاحقا قنوات الإستثمار المحلية بجانب محاربة التضخم والذي غالبا ما يتم بطريقة هادئة ودون آثار إقتصادية سلبية وذلك عن طريق تشجيع المتداولين وخاصة أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة على إيداع أموالهم في البنوك بعد تغييرها بالعملات الجديدة.
وأوضح أن حصر وتغيير العملات التالفة أو غير القابلة للتداول والتي في حال إرتفاعها قد تُكلّف الإقتصاد الوطني لأي دولة تبعات وتكاليف مالية إضافية تُعتبر ورقة ضغط غير مرئية عليها.