الوساطة التركية.. ماوراء مهاتفة (البرهان – أردوغان)؟
أثارت لغطاً كبيراً، وفتحت نوافذ حذرة للأمل..
الوساطة التركية.. ماوراء مهاتفة ( البرهان – أردوغان)؟..
أردوغان: مستعدون للتوسط بين السودان والإمارات لإنهاء الحرب..
البرهان: نرحب بأي دور تركي يسهم في وقف الحرب التي تسببت فيها الميليشيا..
المغربي: المبادرة ليست جديدة، وتقف وراءها الإمارات..
مخاوف من تأثيرات سلبية للمبادرة على الروح المعنوية للمقاتلين في الميدان,,
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..
أبدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استعداد بلاده للتوسط بين السودان ودولة الإمارات العربية المتحدة لإحلال الأمن والسلام في السودان، وأعلن أردوغان خلال اتصال هاتفي أجراه مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، حرص تركيا على وحدة السودان واستقراره، مجدداً دعمه للشعب السوداني بكل الإمكانيات، ومؤكداً في الوقت نفسه استمرار المساعدات الإنسانية المقدمة من تركيا، وأشار الرئيس التركي إلى استئناف عمل الخطوط التركية قريباً، واستعداد بلاده لبذل الجهود لتعزيز العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، مشدداً على أهمية التعاون في مجالات الزراعة والتعدين.
وفي السياق رحب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول الركن عبدالفتاح البرهان، بأي دور تركي يسهم في وقف الحرب التي تسببت فيها ميليشيا الدعم السريع المتمردة، داعياً إلى تعزيز الاستثمارات التركية في مختلف المجالات، وأكد البرهان ثقته في مواقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومته الداعمة للشعب السوداني وخياراتهم، ممتدحاً في هذا الصدد مواقف تركيا الداعمة للسودان، ومثمناً جهودها من أجل السلام والاستقرار في المنطقة والإقليم ومعالجتها للكثير من القضايا على المستويين الإقليمي والدولي، وأشار البرهان إلى النجاحات التي حققتها تركيا في معالجة الملف السوري.
تباين بشأن المبادرة:
رغبة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن التوسط بين السودان ودولة الإمارات لإنهاء الحرب، طارت بها الأسافير ومنصات التواصل الاجتماعي وقتلتها أحاديث المدينة بحثاً وتحليلاً ما بين مؤيد للخطوة ومستعرضاً أهميتها وانعكاساتها الإيجابية على أيقاف نار الحرب في السودان، وما بين رافض للمبادرة التركية مستنداً على موقف القيادة السودانية الثابت من عدم التفاوض مع ميليشيا الدعم السريع المتمردة وأعوانها من المحاور الإقليمية الدولية والتي تمثل الإمارات رأس الرمح في هذه المحاور ارتكازاً على دعمها المستمر لهذه الحرب وتغذيتها لوجستياً ومادياً وإعلامياً مما أطال من أمد القتال رغم الانتصارات المتلاحقة للجيش وتدميره لكتلة الميليشيا الصلبة في جميع محاور وجبهات القتال، حيث أصبحت ميليشيا الدعم السريع مجرد عصابات تقوم بقتل وترويع المواطنين ونهب ممتلكاتهم بعد أن كانت تتحدث في بواكير الحرب عن نيتها في الحفاظ على الديمقراطية والدولة المدنية ومحاربة الكيزان وفلول نظام الإنقاذ البائد.
اتهام رسمي:
وفي 18 يونيو 2024م اتهم السودان رسمياً دولة الإمارات العربية بدعم قوات الدعم السريع، ووضع مندوب السودان الدائم بالأمم المتحدة السفير الحارث إدريس الحارث حيثيات الاتهام أمام منضدة مجلس الأمن الدولي محمّلاً الإمارات مسؤولية استمرار الحرب في السودان إلى الآن، وفي أكتوبر 2024م قدمت الحكومة السودانية مزيداً من الأدلة الدامغة لتورط الإمارات في الحرب من خلال دعمها المباشر لميليشيا الدعم السريع بالذخائر والمركبات القتالية والمسيرات وغيرها، وقالت الحكومة السودانية في حيثيات اتهامها إن تقارير الأمم المتحدة أثبتت هبوط 400 رحلة جوية لطائرات تنقل السلاح ومعدات عسكرية إلى مطار أم جرس في شرق تشاد، بالإضافة إلى مطار انجمينا الأمر الذي ساعد في استمرار قتل المدنيين السودانيين وتشريدهم، خاصة في مدينة الفاشر، حيث وفرت الإمارات غطاءً سياسياً لأنشطة ميليشيا الدعم السريع من خلال نقل العتاد الحربي ونقل جرحى الميليشيا لتلقي العلاج في مستشفى الشيخ زايد.
اتصال بلا جدوى:
وفي يوليو 2024م أجرى رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد، اتصالاً هاتفياً برئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي، وأكد بن زايد حرص دولة الإمارات على دعم جميع الحلول والمبادرات الرامية إلى وقف التصعيد وإنهاء الأزمة في السودان الشقيق بما يسهم في تعزيز استقراره وأمنه ويحقق تطلعات شعبه إلى التنمية والرخاء، وفي المقابل طلب رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان من الشيخ محمد بن زايد وقف دعم بلاده لميليشيا الدعم السريع التي تقتل السودانيين وتدمر بلدهم وتشردهم، ورغم أن الاتصال الذي جرى بين البرهان وبن زايد قد رفع من سقف التفاؤل بإمكانية إيقاف الحرب المندلعة منذ تمرد ميليشيا الدعم السريع في الخامس عشر من أبريل 2023م، إلا أن التفاؤل سرعان ما انحدر إلى دركٍ سحيق من الإحباط في ظل استمرار الإمارات في نهجها الداعم لاستمرار الحرب في السودان، بمد الميليشيا المتمردة بالأسلحة والذخائر والطائرات المسيرة.
ليست جديدة:
وعطفاً على المعطيات السابقة فلا تبدو في الأفق بوادر تفاؤل بأن تخترق الشمس الأمل غيوم الإحباط، وتقود مبادرة الوساطة التي بادر بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى إحلال الأمن والسلام والاستقرار في السودان، ويقول الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الأستاذ مكي المغربي إن مباردة الرئيس التركي لم تأتي من فراغ وإنما وراءها طلب إماراتي لقناعة حكومة أبوظبي في التقدير الكبير الذي يكنه السودان حكومةً وشعباً للرئيس رجب طيب أردوغان، وقال المغربي في إفادته للكرامة إن المحاولة الإماراتية ليست جديدة فقد كررتها من قبل مع الرئيس الأثيوبي آبي أحمد، ومع الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، مبيناً أن ما قُدم في المبادرتين السابقتين لم يكن مناسباً لذلك لم تريا النور، رغم جدية الوساطة الأثيوبية والمصرية.
مخاوف مشروعة:
ولعل ما يرفع حاجب الدهشة ويترك أكثر من علامة استفهام في وجوه المتابعين للمشهد العملياتي في السودان، هو أن دولة الإمارات العربية ورغم حرصها على التوسط مع السودان إلا أنها مازالت تواصل دعمها لميليشيا الدعم السريع بالأسلحة والذخائر والطائرات المسيرة والقناصة، وفي هذه الصدد يقول الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الأستاذ مكي المغربي إن الإمارات متورطة في الاستمرار في دعم الميليشيا المتمردة لقناعتها أن وقف الإمداد العسكري يعني نهاية الميليشيا ومحوها من الوجود وبالتالي ضياع كروت الضغط من بين يديها، خاصة أنه لا يوجد رأي متفق عليه بشأن الحرب على السودان في الداخل الإماراتي، ويتخوف المغربي من ردة فعل الرأي العام السوداني بشأن التفاوض سواءً مع الإمارات أو ميليشيا الدعم السريع، منوهاً إلى خطورة مثل هذه الخطوة على الروح المعنوية للمقاتلين في جبهات ومحاور القتال التي تشهد تقدماً ملحوظاً للقوات المسلحة والقوات المساندة لها في وقت تتراجع فيه الميليشيا المتمردة وتتلقى الخسائر يوم بعد يوم.
خاتمة مهمة:
على كلٍّ فقد فتحت مبادرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نوافذ حذرة للأمل بإمكانية التوصل إلى إنهاء الحرب، ووضع نقطة لنهاية الحرب المدمرة في السودان، ولكن ذلك لا يعني خضوع الحكومة لإملاءات تدفعها للتراجع عن ما رفعته من لاءات، فمازالت مخرجات منبر جدة قائمة، وأن تنفيذها يشكل مخرجاً للجميع، وعلى دولة الإمارات العربية، والمحاور الدولية، وكل الداعمين لميليشيا الدعم السريع أن (يعوا جيداً) أن الشعب السودان يرفض مجرد التفكير في أن تكون ميليشيا آل دقلو الإرهابية أو داعموها من تنسيقية تقدم، ضمن المعادلة الأمنية والسياسية للسودان في مرحلة ما بعد الحرب، رفعت الأقلام وجفت الصحف.