رأي ومقالات

المبعوث الفاشل توم بيريللو

لبلادنا أهمية لدی الإدارات الأمريكية المتعاقبة، ليس لاهتمامها بالسلم والأمن العالميين، الذی تقوم أمريكا بزعزعته حول العالم وهي تزعم إنَّها تسعیٰ لحفظه!!

لكن لأن فی السودان داٸماً وظيفة لكل (عاطل أمريكي) أُحيل علی المعاش، أو فقد مقعده فی مجلس الشيوخ، أو قضی إجازة فی السودان، أو كان عضواً فی لجنة منبثقة من لجنة تتبع للجنة أعلیٰ تحت إطار أممی، وتجعل من السودان مسرحاً لها !! ليقوم أی رئيس أمريكي بتعيينه في وظيفة المبعوث الخاص للسودان، ويتصدر اسمه الصحف المحلية والعالمية وأخبار الفضاٸيات من قبيل قَامَ وقَعَدَ وعَقَدَ وصَرَّحَ وسَافَرَ وعَادَ وأفَادَ.

وللأمانة فإن من بين كل المبعوثين هٶلاء فإنَّ المبعوث الخاص (جون كلجيت دانفورث) وهو سياسي ومحامِ ودبلوماسي و(كاهن) أُسقفي، كان من أنشط المبعوثين وأوفرهم حركةً أيام مفاوضات السلام التی كانت تجري فی كينيا تحت رعاية دول الإيغاد وأصدقاء الإيغاد والتي تمخضت عنها إتفاقية السلام الشامل، وكان عند زيارته للسودان، يجتهد فی لقاء أكبر عدد من السياسيين وهو مستمع جيد، وفي إحدی زياراته لبَّیٰ دعوة عشاء أقامها الأستاذ علی عثمان محمد طه الناٸب الأول لرٸيس الجمهورية فی منزله، وسأل إن كانت الأجهزة الإعلامية تُغطی المناسبة!! وبعد أن إطمأنَّ علی عدم وجود تغطية إعلامية قال دانفورث:- غداً سيمتلٸ إعلامكم بكلام غير صحيح بأنَّ القسيس الأمريكي (يقصد نفسه) جاء ليفرض وجهة نظر أمريكا!! وفی الحقيقة ليس فی أمريكا (وجهة نظر) واحدة، إنَّما لديها العديد من (وجهات النظر) حول القضية الواحدة، ومشكلتكم أنتم في السودان لاتعرفون كيف تعمل اللوبیهات، وليس لديكم من يوصل وجهة نظركم للمشرعين الأمريكيين كما يفعل قرنق، وقال إن بعض رعايا الدول الأخریٰ من الذين يعملون فی مكتب الكونغرسمان، ويدرسون للحصول علی درجات عليا، فيقومون بكتابة دراسة أو تقرير عن مشكلة فی بلدهم، ويقترح إصدار قانون من الكونغرس بشأنها، فيحملها عضو الكونغرس إلی بعض زملاٸه ليقنعهم بها أثناء تناول القهوة، وتطرح فی المجلس ويصدر بها قانون!! وإن معظم أعضاء مجلس الشيوخ والكونغرس لا يعرف الواحد منهم غير تلك الولاية التي انتخبته، وبعضهم لا يعرف غير أمريكا. وضرب مثلاً يصدق قوله فقال عندما حاول كوفي عنان تحصيل مديونية الأمم المتحدة علی أمريكا عرف إن الطريق لذلك يمر عبر الكونغرس، فقام بتعيين عدد كبير من النواب، أعضاءً فی لجان دولية،ثمَّ اكتشف إن حوالی سبعين في الماٸة ليس لديهم جوازات سفر أصلاً بمعنی أنهم لم يسبق لهم السفر خارج أمريكا البتة، أو مَن يحمل منهم جواز سفر لم يستخدمه، وقلة قليلة سافرت إلیٰ أوروبا، ومعظهم لم يریٰ أفريقيا حتی في الخريطة. وقال إن قانون سلام السودان الذی أجازه الكونغرس من (أغبی) القوانين فی تاريخ أمريكا لأنه يجعل مكافأة للحركة الشعبية فی حال فشل المفاوضات، فلماذا إذاً أنجِّح المفاوضات إذا كان هناك فی انتظاري عشرات الملايين من الدولارات كجاٸزة للفشل!!

وقال دانفورث، أنا هنا لكي أبحث لرئيسي – بوش الإبن – عن نصرٍ خارجي يخوض به حملة إعادة إنتخابه، نصرٌ لا تستخدم فيه أمريكا قوتها العسكرية، وهذا النصر غير مُتاح في العراق ولا أفغانستان ولا في فلسطين، لكن يمكن تحقيقه في السودان من خلال المفاوضات التی تجري في نيفاشا … كلام علی البلاطة!!

ولا شكَّ عندي إن توم بيريللو الذي لم يخطو بتكليفه خطوة واحدة إلیٰ أی إتجاه سوی بعض تصريحاتٍ رعناء، لم يرتفع إلیٰ مستوی معشار جزء من صراحة ووضوح دانفورث، الذي أوردتُ منه بضع مقتطفات، ولا خير في بيريللو ولا فی دانفورث ولا من سبقهما، ولا من سيلحقها إلَّا بما يحقق مكاسبهم الشخصية، ثمَّ المصالح الأمريكية، فلا شٸ يأتي بالمجان.

وسيخلف بيريللو مبعوث خاص آخر يُعينه دونالد ترامب، عندما يتسلم مهام منصبه، وحتی ذلك الوقت (حوالی شهر) نسأل الله أن نكون قد حققنا النصر المٶزر، قبل موعد ولايته ليس خشيةً منه ولكن لكی نكون قد إجتثثنا المليشيا، وبدأنا إعادة الإعمار، وحينها لن يجد التاجر ترامب مدخلاً آخر غير التأمين علی ما أنجزناه علی أرضنا.

-النصر لجيشنا الباسل.

-العِزة والمِنعة لشعبنا المقاتل.

-الخِزی والعار لأعداٸنا، وللعملاء.

محجوب فضل بدري