الحكيم لا يُوصّى
لما إختار المجرم حميدتي ورهطه من القحاطة ومجوعة ( *المسهلين* ) المكونة من سفراء ومبعوثين، وعناصر مخابرات، ومافيا أموال، وسياسيين، ومستشارين، لما رجحوا ( *أجمعين* ) خيار الحرب لحسم الفوضى كما أسموها، بأن يستلم النائب الحكم بالقوة، ليمضى الإتفاق الإطاري، ووثيقة المحامين، وبالتالي كامل مشروع التغريب المُعد سلفا للدولة السودانية، وإمضاء الصفقات الإقتصادية بالسيطرة على موارد السودان، وأصوله وأرضه، وسواحله، وتقاسم هذا الرهط بينهم ليبيتن يقين الناس ودالة إيمانهم على مهلكة، ثم يقولون ما شهدنا مهلكهم، وإنما هو تغيير أملته الضرورة، ونقبله بفقه الواقع المتاح، لتمضي المؤامرة وتنفذ بهذا التدبير الماكر، ويقفز حميدتي للسرج
( *كرسي السلطة الأول* ) ظانه ذلول كما إعتاد من سروج الحمير، فزلت أقدامه وهوى إلى قعر بلا قرار، وهو يجر معه كل الرهط الأشقياء، فأين سيئ الذكر ( *فولكر بيرتس* ) وتوم بيرلو، وجود فيري، وسفراء عرب رغبوا في تعلم الحلاقة في رأس اليتيم ، وكل بموساه يوقع الوشم الديموقراطي، بجرأة لا يشوبها حياء.
وأين ثلة المزرعة ( *المزرعة المقصودة هي مزرعة رجل الأعمال عبد الباسط حمزة المغصوبة من لجنة وجدي*، *والمستردة بأمر المحكمة* ) وأين أساطين اليسار، وعصبة الجمهوريين، والأحزاب الإنتهازية، الذين نصّبوا أنفسهم أولياءً لشعب السودان، وأنهم يرون ما لا يراه، ويقدرون على تدبير أمره، ويعبرون به إلى بر السلام والرفاهية، كما يردد ذلك المعتوه.
كل هذا التحدي واجه قيادة القوات المسلحة، ووضعها في تحدٍ غير مسبوق في تاريخ الصراعات المسلحة وإداراتها، فوجدت نفسها والوطن في أزمة وجودية، وأنها محاطة ومطوقة بكل قدارت الدعم العسكرية، وإمكانات رهطه السياسية، فألهمها الله تعالى أن تختار ( *ذات الشوكة* ) وأن تبذل مهج منتسبيها فداءًا، وهكذا بدأت في إمتصاص الصدمات، وتكسير موجات الهجوم، وفل عزيمة العدو، وإثخانه بالضربات النوعية المتخصصة، كما يفعل المحارب الخبير والملاكم المتخصص، وما مضت بضعة أشهر وإلا وتبدلت الأحوال، وتغيّرت المواقف، وتبدّد ذلك الأمل بكسر ظهر الجيش والسيطرة على السودان، بل تواضع ذلك الطموح الزائف إلى درجة الحصول على سانحة لإلتقاط الأنفاس، والبحث عن مخارج وطرق للهروب، ولو تحت أردية النساء وثياب التنكّر، وغابت القيادات التي كانت تعد نفسها وأزياءها لتسنم الوظائف العليا في قيادة الدولة والحكومة والجيش، حيث تخلو الآن ساحة المعركة من أي أثر لقيادة للجنجويد، فلا حميدتي الشبح، ولا المتهور عبد الرحيم ولا واحد ممن إتبعوهم رغبةً أو رهبة، يستطيع الآن الظهور في أي موقع.
وأما عن بقية الرهط فقد إستيقنوا بأن مشروعهم قد فشل، وسعيهم قد خاب وخسر، ولكنهم لم ييأسوا بعد، فلذلك يلتمسون أدوات أخرى لإدارة الصراع، مثل الحيل والخداع كرفع الرايات البيضاء وإبداء الحرص على السلام وتجديد الدعوة للمفاوضات، ووقف إطلاق النار، وغيرها من الأساليب، لكن في المقابل قيادة القوات المسلحة تعلم ( *يقيناً* ) أنهم كاذبون، ومراوغون، وتعلم كذلك رغبة الشعب السوداني المجمعة على سحق هؤلاء الخونة، جزاء ما إرتكبوه من فظائع، وما إقترفوه من جرائم لا يمكن التسامح معها على الاطلاق، ولن يقبل الشعب من قيادته التي تقدمت الصفوف، وقاتلت ببسالة، وأبلت ببطولات وتضحيات جسام، وأنفقت أرواحاً غالية، فضلاً عما دمره هؤلاء المجرمون من الممتلكات العامة والخاصة.
هنالك تداول لمعلومات وأخبار بأن ثمة دعوات لوقف مؤقت لإطلاق النار، والمعاودة لمنبر جدة، هذه أساليب (*جس نبض* ) للرأي العام لمعرفة إتجاهاته والبناء عليها، ومحاولات التمظهر بالدعوة للسلام .
لكن فات الأوان على هذه الحيل والدعاوى الباطلة، وما أكدته قيادة الجيش في منابر متعددة ومناسبات مختلفة أنه ( *لا تفاوض مع الجنجويد البتة* ) لا في منبر جدة، ولا غيره من المنابر في عواصم العالم؛ لأن القضية نفسها لم تعد في حسابات التفاوض، إنما هي تعقب مجرمين مسلحين إرتكبوا الفظائع في حق الشعب والوطن يجب أخذهم بالقوة الباطشة، ولا مجال لأي حديث معهم في شأن وقف لإطلاق النار إلا أن يستسلموا تماماً ويضعوا السلاح أرضاً ويخضعوا للمحاكمة، هذه هي بينة الأمر، وما عداها محض إختلاق؛ فالقيادة لا تحتاج لأحد أن يوصيها في الأمر، لأنها تملك من الأسباب، وتعرف من الحقائق، وتدرك من المخاطر الذهاب في هذا الإتجاه .
فالحكيم لا يوصّى، والثيب لا تُعلّم الخمرة، كما يقول المثل وهو بمعنى أن من سبق لها الزواج لا تحتاج في يوم عرسها الثاني لمن يعلّمها كيف تختمر أي تلبس الخمار،
ليس بعيداً من ( *أسأل مجرب* ).
*لست خُباً ولا الخُبُّ يخدعني* كما قال سيدنا علي بن أبي طالب .
لـواء ركن ( م ) د. يونس محمود محمد