ألقت الحرب السودانية بظلالها على العلاقات الخارجية للسودان بشكل عام، لكن انعكاسات المشهد كانت أكثر حدة على علاقاته مع جيرانه، وأبرزهم الجارة الغربية تشاد، التي لم يعد أمر انخراطها في الأعمال المعادية للسودان محل خلاف.
ومما يثير العجب والاستغراب إنكار وزير خارجية تشاد عبد الرحمن غلام الله في الحوار الذي أجرته معه قناة فرانس 24 الأسبوع الماضي، وبلا أدنى خجل ضلوع بلاده في دعم ومساندة مليشيا آلدعم السريع المتمردة، مع إن كل الشواهد التي يعرفها القاصي والداني تقول أن دولة تشاد هي الحاضنة الفعلية للجنجويد والمنبع الأهم للمرتزقة فهم يعيشون في عدة مناطق بالبلاد، و بالتحديد في مناطق (محافظة شاري باقرمي، وهي حيث تقع العاصمة “نجامينا”. محافظة أم التيمان، على الحدود مع السودان وأفريقيا الوسطى. منطقة أندي، شمال تشاد. أتيا، بلتن، وادي (أبشي). منطقة وادي سيرا وعاصمتها قارسيلا على حدود السودان. إقليم كانم على الحدود مع النيجر. مناطق التعدين الأهلي في تشاد، في مناطق الشمال على الحدود مع ليبيا (كوري بوجودي، مسكي، منطقة 35، منجم 13)، ومنطقة قيرا وسط تشاد، وسلامات في شرق البلاد.
وتقول تقارير فريق خبراء الأمم المتحدة المعني بمراقبة تدفق السلاح إلى دارفور، أن المقاتلين التشاديين المبعدين من ليبيا، وخاصة الذين شاركوا في الحرب لصالح اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وأبرزهم مجموعات الجفرة التي دُرّبت بواسطة فاغنر الروسية، ومجموعة “المثلث” التي تتمركز عند الحدود الليبية السودانية التشادية، يمثلون أكبر تجمع للمرتزقة في المنطقة.
ويمثل التشاديون أهم العناصر التي تم استقطابها للعمل العسكري مع مليشيا الدعم السريع، وذلك لعدة أسباب معلومة للجميع، منها: التداخل القبلي، وتقارب العادات والثقافة المشتركة مع غربي السودان، وسهولة الحركة والتسلل إلى السودان، ووجود حواضن إجتماعية.
وكان المدرس المساعد في قسم الأمن وعلوم الجريمة كلية لندن ألكسندر بيش، قد رجح في مقال له نشر في مايو 2023، أن تتحول الحرب السودانية إلى فرصة جديدة لمجموعات مسلحة تشادية للاستفادة من الصراع الدائر في أرض النيلين من خلال الانخراط في إقتصاد الحرب.
وقد بنى بيش توقعاته، على أساس أن اتفاق 2020 في ليبيا أدى إلى خفض فرص عمل المرتزقة، في حين يبدو وجودهم نفسه فيها مهدداً مع الدعوة إلى خروج جميع المقاتلين الأجانب من ليبيا.
وتنتشر على منصات التواصل الاجتماعي العديد من المقاطع المصورة التي تزعم وجود مقاتلين تشاديين يشاركون في الحرب السودانية.
في حين أعلن الجيش السوداني في أبريل 2024 عن القبض على “مرتزقة” من تشاد وجنوب السودان ضمن مقاتلي مليشيا الدعم السريع بمدينة أم درمان غربي العاصمة الخرطوم، كما اتهم الجيش تشاد بتسهيل وصول المقاتلين إلى السودان وهو ما نفته إنجمينا بشدة.
وحتى لا يذهب وزير الخارجية التشادى بعيدا في إنكار تهمة ضلوع بلاده في دعم ومساندة مليشيا الدعم السريع، فقد أكد خبراء في الشأن التشادي تحدث إليهم موقع “المحقق” الإخباري أن الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي تحدث لوزير الدولة بالخارجية الاماراتية الشيخ شخبوط إبان زيارتة الأخيرة لأنجمينا وأكد له بأن تشاد فتحت كل مجالها الجوي والبري والبحري للاستخبارات الاماراتية وإحدى الدول الغربية من أجل إسقاط جيش السودان لكن أفعال “الدعم السريع” هي التي افشلت كل المخططات لأنها أصبحت عدواً للمواطنين وليس للجيش السوداني وهذا أكبر سبب للنكسة.
وبحسب الخبراء، فإن دبي الإبن قال لضيفه الإماراتي إنه إذا تم سحب الدعم السريع من الفاشر من قبل وتوقفوا عن الهجوم على المدينة بعد قرار مجلس الأمن الدولي، كان يمكننا التوصل لاتفاق مع أبناء الزغاوة مع الاحتفاظ بالفاشر ضمن الاتفاق ولكن قوات الدعم السريع أصبحت ضد المواطن وأحرقت قرى أبناء الزغاوة وقتلت أطفالهم وهذا كان أكبر خطأ من قوات الدعم السريع لكونها تصرفت في إطار قبلي وعنصري وأصبحت القبيلة عندها هي الدولة.
وأضافت المصادر أن شخبوط طلب من تشاد معالجة جميع الأخطاء وقال إن تحالف الحركات المسلحة في دارفور مع الجيش السوداني أسهم في إفشال مخططهم الرامي لإحتلال الفاشر وتعهد بدعم بلاده لتشاد بالسلاح وجميع أنواع العتاد العسكري تحت غطاء مساعدتها في مكافحة الإرهاب كما التزم بمساعدة مباشرة قدرها 500 مليون دولار أمريكي نقداً من أجل الانتخابات البرلمانية ومساعدة أسر الجنود التشاديين الذين ماتوا في بحيرة تشاد.
وبحسب الخبراء الذين تحدث إليهم موقع المحقق الإخباري، فإن خلافاً داخل أروقة السلطة في تشاد بدأ يتصاعد حول ما إذا كان من مصلحة البلاد الاستمرار في فتح أبوابها لتنفيذ الأجندة الإماراتية والإضرار بالعلاقات التاريخية بينها والسودان، أم أنه من المصلحة عدم المضي قدماً في تصعيد الموقف، ومن الضروري احتواء الأزمة بطريقة ودية لتستمر العلاقات بينهما بصورة عادية، لأن تلك هي رغبة الشعبين الشقيقين، فأي التيارين ستكون له الغلبة ؟
المحقق – خاص