عجينة الفراديس ترفض التيبس في برزخ نيران الجنجويد
عجينة الفراديس
ترفض التيبس في برزخ نيران الجنجويد
الدكتور فضل الله أحمد عبدالله
( تُمَازِحُني بقُرْبِكِ
قَافِيَاتُ الشِعْرِ
هَمْسُ الزَهْرِ
بَوْحُ العِطْرِ
آهاتُ الرَياحِينِ )
– لقائله –
أيها القراء أصلحكم الله
هي ليست صدفة عابرة من صدف الزمان ،
حتى نمتثل بقول التجاني سعيد :
( من غير ميعاد ،
واللقيا أجمل في الحقيقة بلا إنتظار )
ولكنه القدر ، المسطور في الكتاب ،
أن تجيء لحظة اللقيا هذه ، بك أنت ،
وأنت ، وأنتم جميعا ..
هنا باتجاه الشاطئ الغربي لنهر النيل ،
قبالة الطابية ( الطابيه البتشد الحيل ) ،
ونحن نلمح من بعيد ( بوابة عبدالقيوم ) ،
إيذانا بالدخول بكم إلى ( البقعة ) لتشهدوا معنا
أصل الحكاية .
( تعال هنا .. ” يا حبيب القسا “..
والعبارة أمدرمانية قحّة ،
وهي عند أهلها كالشفرة )
ولكن !
ترى من يمنحنا وضاءة الكلام ، غير الحكاء الشاهق الصوت ، الروائي الأديب ، الراحل ( علي المك )
– رحمه الله وغفر له – عاشقها الأعظم ، ولا أجدر غيره من يمنحنا سماحة الدخول أبواب هذه المدينة .
فالمدينة كما قال صديقه الشاعر صلاح أحمد إبراهيم في رثاءه ووداعه الأخير له ..
هي :
( مدينته الآدمية مجبولة من تراب
يتنطس أسرارها
واثب العين منتبه الأذنين
يحدث أخبارها
هل يرى عاشق مدنف في الحبيب
أي عيب ؟
مدينته البدوية مجبولة من تراب
ولا تبلغ المدن العسجدية مقدارها
تتباهى على ناطحات السحاب )
( هنا أم درمان ،
هنا تدق ساعة البلدية ،
لتعلن تمام الساعة الفصل ،
بين الذي قد كان و الذي سيكون .
هنا يخلدُ الأزل ،
كما لا يتبقى ، بها منها ، و (حمى الدريس ) ،
غير كونها على مائدة عشاء الغرباء الأخير ،
مدينةٌ فريدةٌ من تراب ،
عجينة الفراديس ،
من على ( كرسي القَماش ) أجيالٌ تعقبها أجيال ،
تمرُ من أمامك الآن ومازال ( خليل فرح ) عبر تضاعيف حكاية كل صباح ومساء ) ..
يستدعي حضورها ،
فتأتي ، طائعة في إغنياته ،
بجميع أزمنة الناس ، ماضيا ، وحاضرا ، وفي غدهم المأمول .
ﻭيدلق معنى ( أم درمان ) في ﺍﻻﻭﺭﺩﺓ ﻭﺍﻟﺸﺮﺍﻳﻴﻦ ، ﺑﻌﺪ أن يعطنها ﺑﺘﺮﺍﺏ أرض ﺍﻟسودان :
( ﺍﻟﻤﻜﺎﺭﻡ ﻏﺮﻗﻨﺎ ﺳﺎﺳﻦ ﻭﺍﻟﻤﺠﺎﻫﻞ
ﻣﻴﻦ ﻏﻴﺮﻧﺎ ﺳﺎﺳﻦ !؟ ) ..
ويمضي ( خليل فرح ) ويأن أنينا حنينا :
( ﻭﻳـْﺢَ ﻗـﻠﺒﻰ ﺍﻟﻤـﺎ ﺇﻧـْﻔـﻚّ ﺧﺎﻓـﻖ
ﻓـﺎﺭﻕ ﺃﻡ ﺩﺭﻣـﺎﻥ ﺑﺎﻛـﻰ ﺷﺎﻓﻖ
ﻳـﺎ ﺃﻡ ﻗـﺒـﺎﺋﻞ ﻣـﺎﻓـﻴـﻚ ﻣﻨﺎﻓـﻖ
ﺳَـﻘﻰ ﺃﺭﺿِﻚ ﺻﻮﺏ ﺍﻟﻐﻤﺎﻡ )
هي ( أم درمان ) اختارها المهدي ،
أول عاصمة للسودان في عهده الوطني ..
هي عز السودان ،
وربة أصول الفكر السوداني والأدب والفن …
المدينة التى قدمت أفذاذ الشعراء ، الذين أثروا وجدان الشعب السودانى :
عمر البنا ، محمد بشير عتيق ، خليل فرح ، التيجانى يوسف بشير ، صالح عبدالسيد ، سيد عبدالعزيز ، عبيد عبدالرحمن ، سيف الدين الدسوقى ، على شبيكة ، عبدالرحمن الريح ، عبدالله محمد زين ، التنقاري ، عبد المنعم عبدالحي ، محمد يوسف موسى ، مبارك المغربي ، رمزي حسين خليل
ومن كواكب الفكر والثقافة وأصحاب بيوتها العامرة
بالعلم والمعارف :
الشيخ الطيب السراج ، وابنه الأستاذ فراج الطيب السراج ،
حسن وحسين الكد ،
توفيق صالح جبريل ( صاحب الدهليز ) ،
عبدالكريم ميرغنى ، الظافر خليل ، على المك ، صلاح أحمد ابراهيم ،
معاوية محمد نور ،
سليمان كشة ،
خالد آدم ( ابن الخياط ) ،
وعلى نور .
بهذا شكلت أم درمان نسبها الوطني ﻭﻣﻦ عجب أن معنى ( الوطني ) نفسه ، لا توضح صورته للسوداني الأصيل ، إلا حين يذكر اسم أم درمان .
فهي المدينة التي يحتشد في أحشاءها ثقافات السودان ..
وتجلى السودان من عمقها بكل محمولات الاسم ، جغرافية ، وثقافة وتاريخ حضاري .
فمن منا لم يرهف السمع إلى ( عبدالله محمد زين ) في شاعريته الغنائية متكاملا مع المطرب الوسيم الصوت ( أحمد المصطفى ) ويصوغان المعنى ( كلمة ونغما وأداء ) :
( ﺃﻧﺎ ﺍﻣﺪﺭﻣﺎﻥ ﺳﻠﻮﺍ ﺍﻟﻨﻴﻠﻴﻦ ﻋﻨﻲ …
ﻭﻋﻦ ﻋﺰﻣﺎﺕ ﻓﺘﺎﻱ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺘﺠﻨﻲ …
ﻓﺨﻴﺮ ﺑﻨﻴﻚ ﻳﺎ ﺳﻮﺩﺍﻥ ﻣﻨﻲ …
ﺳﻠﻮﺍ ﺍﻟﺤﺎﺩﻱ ﺳﻠﻮﺍ ﺍﻟﺸﺎﺩﻱ ﺍﻟﻤﻐﻨﻲ !! ) ..
وﻳُﻌﻮﺩُ ( علي المك ) ..
ﻟﻴﺆﻛﺪ ﺃﻥ ﺍﻟﻔﻦَّ ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺿﺮﺏٌ ﻣﻦﺍﻟﺼﻤﻮﺩ .
ﻭﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻔﻦ ﺍﻟﺒﻠﻴﻎ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺷﺮﺍﻕ ﺍﻟﺮﺍﺋﻊ ، ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ .
هي ( أم درمان ) ..
مدينة هندس بيئتها الإجتماعية الأدباء ،
والشعراء ، والفنانون بكل أنواع آثارهم الفنية .
هندسوا بيوتها ، وشوارعها ، وأسواقها ، وحتى مزالق خيرانها :
( ﻣﻦ ﻋﻼﻳﻞ ﺃﺏ ﺭﻭﻑ ﻟﻠﻤَـﺰﺍﻟـﻖ …
ﻣـﻦ ﻓـِﺘـِـﻴـﺢ ﻟـﻠﺨــﻮﺭ ﻟـﻠﻤﻐـﺎﻟـﻖ …
ﻗـﺪْﻟــﻪ ﻳﺎﻣـﻮﻻﻯ ﺣـﺎﻓﻰ ﺣـﺎﻟـِﻖ …
باﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﺸﺎﻗﻰ ﺍﻟﺘﺮﺍﻡ !! ) …
وهل غير ( أم درمان ) مدينة منحت أبناءها أوسمة الجدارة ، وألهمتهم صياغة ﺍﻟمفردة الباذخة ، إلى ﺃﻗﺼﻰ حدود ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﺍﻟﺠﻤﺎلي .
كما وهبتهم ﻣﻮﺍﺳﻢ الخصب ﻭﺭﻭﻧﻖ العذابات ﺍﻟﺨﻼﻗﺔ .
فهي من دفعت إلى ربوع السودان ونجوعه ، من ( حي العرب ) ابنها الشاعر ( عبدالرحمن الريح ) ،
مع ثنائية حميمة والمطرب ( التاج مصطفى ) ليأتياننا بما لا قبل لنا به ، صائحين بالملهمة :
( فى الكرى هل أرى
شخصك قريب؟؟
يا هل ترى؟؟
أنا فى انتظارك لم أزل
يا ملهم الشعر الغزل ) ..
أم درمان …
هي ذلك الاسم القديم في تاريخ الوجود ،
حسب ما أشار بذلك شيخ المؤرخين السودانيين الدكتور محمد إبراهيم أبو سليم في وثائقياته العلمية الرصينة للمدن السودانية .
إذ ، قال أبو سليم ،
أن الأسم يرجع إلى ( عصر العنج ) السابق لعصر الفونج ،
وأن أكثر الأقوال رواجاً ،
راجع إلى امرأة كانت تسكن الجهة ،
وهي من بنات الملوك ،
وكان لها ولداً اسمه ( درمان ) ،
وكانت تسكن منزلاً مبنياً من الحجر ،
ومحاط بسور متين ،
ظلت آثاره ظاهرة حتى عهد قريب ، في منطقة ( بيت المال ) .
عندما سقطت الخرطوم عاصمة العهد التركي على يد الإمام محمد أحمد المهدي في يناير 1885م ، وقتل ( غردون باشا ) الحاكم الإنجليزي للسودان آنذاك ( غردون .
كان معسكر المهدى في أبي سعد ، ورفض أن يتخذ الخرطوم عاصمة له بحسبانها عاصمة الترك الكفار .
وقد قيل في اختياره لموقع أم درمان أن المهدي خرج في جماعة من أصحابه ، وهو على جمل أطلق له العنان .
فسار به إلى شمال أبي سعد حتى برك في الموقع الذي فيه القبة الآن .
فبنى المهدي حجرة من الطين ، ولما توفي دفنه أصحابه في حجرته تلك تأسياً بما فعله صحابة رسول الله صل الله عليه وسلم .
شكل انتصار الثورة المهدية بداية تحول المدينة ، من قرية على ضفة النيل إلى مدينة .
حيث أطلق عليها المهدي اسم ( البُقعة ) .
واستقرت فيها قيادة الثورة ، لكن من دون تحول عمراني يذكر في البداية .
وبعد وفاة المهدي المفاجئة منتصف 1885 دفن فيها ، مما أكسبها رمزية روحية وأهمية خاصة لدى أتباعه .
ويمضي الدكتور أبو سليم في سرده ويشير إلى أنه في عهد الخليفة عبد الله استمر توسع المدينة ،
وبدأت المنازل تشيّد بالطين والطوب والحجر ، مكان تلك التي كانت تشيد بالقش والجلد والشكاب .
وبدأ المكان يتحول إلى مدينة دائمة بعد أن كان معسكراً للهجرة في سنة 1885م وهي السنة التي توفي فيها المهدي .
بنى الخليفة عبد الله ( بيت المال ) والسجن المسمى ( بالساير ) وبعد عامين شيد الطابق الأرضي من منزله بمواد أحضرها من الخرطوم .
وفى العام الذي يليه شيّد ( بيت الأمانة ) وهو مخزن كبير للسلاح ومعدات الحرب وقبة المهدى .
ثم بدأ في بناء سور المدينة الذي أحاط بقلب المدينة ، حيث قبة المهدي ومنازل الخلفاء وحراس الخليفة والمصالح العامة .
وفي سنة 1889م أحاط المسجد الجامع سور عظيم .
وعن الاسم أيضا تقول بعض المرويات أن ( أم درمان ) محرفة من أم دار أمان .
وتسمى أحيانا اختصارا ( أم در ) تقع على الشاطئ الغربي لنهر النيل .
وهي أحد ثلاثة أقطاب عمرانية :
( أم درمان ، والخرطوم ، والخرطوم بحري )
وتشكل جميعها العاصمة القومية للسودان ،
وأكبر تجمع حضري وسكاني في البلاد .
ومن الآثار القديمة يوجد بأم درمان ( متحف بيت الخليفة ) وهو البيت الذي كان يقطن به الخليفة عبد الله التعايشي كما كان .
وبه آثار قديمة تعود لعهد المهدية منذ بداية الثورة المهدية عام 1881م ومجموعة آثار مثل بوابة عبد القيوم وهي عبارة عن بوابة لدخول أم درمان في الفترة ما بين 1885 م وإلى 1898 م. كما توجد على شاطئها إلى اليوم الطابية ، وهي عبارة عن قلاع أرضية قصيرة من الأحجار الصلبة كان يحتمى بها قناصة جيش المهدى ومدفعيتهم لصد أي هجوم من جهة النيل .
( أم درمان ) حكاية مدينة انتقاها الثائر المهدي ، واتخذها أول عاصمه للحكم الوطني .
وعلى أساسه تشكلت ونهضت تصوغ الوجدان الجماعي المشترك لسكانها الأصليين والقادمين إليها من كل جهات السودان .
شبت أم درمان محبة لذاتها ، ومحبة لذوات
الآخرين .
في سوق أم درمان القديم تجد السودان الكبير بكل ملامح وجوه مجتمعاته ، يقف معلمًا بارزًا من معالم تاريخ التراث السوداني ..
وجهة بارزة للمواطنين والسياح الأجانب على حد سواء ، تفوح من أزقته الضيقة عبق الماضي البعيد .
يبدأ موقع السوق ، من مبنى ( البوستة ) العتيق جنوبا ، إلى حي ( المسالمة ) شمالا ، إضافة لشارعي ( كرري ) شرقا ، وشارع ( الشنقيطي ) غربا.
يعود عمر سوق أم درمان القديم إلى نحو قرنين ، من الزمان ، وهو نموذج مصغر لا لمدينة أم درمان فحسب ، بل هي صورة السودان بتعدد ثقافاته وتنوع أعراقه .
في هذا السوق ، تأسست أضخم المحلات للتجار الهنود والإغريق والشوام والأقباط ، ومن اليمن السعيد .
سوق قديم ، ظل عصيا على كل أشكال المعاصرة والتحديث .
بيد أنه ظل يتجدد بذوق وفن ومهارة ، أبناء أم درمان في اللطافة والقيافة .
وفي كل عام يزداد حيوية ورونقا وبهاء .
هكذا وجدت أم درمان ، نفسها ، مقرا ، وموطنا آمنا ، وحاضنة لجميع صروح المؤسسات الكبرى والتي تعمل في مجالات الثقافة والإعلام ، وكل ما هو مختص بأنشطة الترقي الإجتماعي ، وشحذ الأذهان وتشكيل وجدان الامة السودانية ، وأول تلك المؤسسات :
( هنا أم درمان ) ..
صوت ينفسح بين أنفاس أثير السودان كما الشفق الندي .
فيهتز المذياع الذي لا يبرح مسامعنا إلا قليلا ، من الأزمان .
وقرآن الفجر يتلوه ( الشيخ عوض عمر الإمام ) .
( هنا أم درمان )
( دار الإذاعة )
وكل مذيع من المذيعيين هو ( عبارة ) و ( شرفة ) من شرفات الكلام .
صالحين بصوته الفخيم ،
وعلم الدين حامد في ( صالة العرض ) ،
وليلى المغربي التي تنفسنا صوتها مع ( نفحات الصباح ) ،
وعمر الجزولي في ( أوتار الليل ) ،
ومحمد سليمان في ( جراب الحاوي ) ،
وعمر عثمان ،
والفاتح الصباغ ،
ومحمد الفاتح السمؤل ،
ويمتح الرؤية عبر الأذن البروفيسور عبدالله الطيب والشيخ صديق أحمد حمدون في ( تفسير القرآن الكريم ) ..
وفراج الطيب ( في لسان العرب ) ،
والشيخ السماني أحمد عالم يعلو بمعنى المديح والنشيد .
( هنا أم درمان )
براءة مجد ،
وغيمة رجاء ،
ومرفأ عشق ،
وموطن تواد ،
وجامعة وجدان السودان .
الدراما يمسك مقاود حذقها صلاح الدين الفاضل وكمال عبادي ، ومعتصم فضل ، وصلاح التوم .
ونجوم فن التشخيص ، إسماعيل خورشيد ،
وتحية زروق ، وحاكم سلمان ، وعوض صديق ، والهادي صديق ،
وتمثيليات للترقي الإجتماعي والثقافي ، والأقتصادي والسياسي للسودان .
وحكايات درامية مسلسلة ( الدهباية ) و ( والحراز والمطر ) وغيرها من القصص وأحاجي الونس الخلاق .
وكذا الغناء الرزين ، زنقار ، حسن عطية ، وخلف الله حمد ، صلاح أحمد عيسي ، ورمضان حسن وغيرهم ممن يرهفون قلوبنا ، يسوقونه رائقا للسامعين تفتح به أبواب السماحة والتسامح وحسن الظن وبياض القلوب :
” يا سايق ، يا رايق ،
والنظره ماشى وراك ،
وقف وقف وسوقني معاك ” …
( هنا أم درمان ) …
الإذاعة السودانية ، التي أنشئت في أول أبريل 1940م ، إبان الحرب العالمية الثانية ،
وذلك لأغراض الدعاية للحلفاء ، في حربهم مع دول المحور إبان الحكم البريطاني للسودان .
واختيرت لها غرفة صغيرة بمباني البوستة القديمة بأم درمان .
وبرغم أن غرض تأسيس الإذاعة ، لتكون بوقاً للاستعمار وحرباً على الاتجاهات الوطنية الناشئة في ذلك الحين .
إلا أنه وبعزم الوطنيين من أبناءها ، تحولت إلى وسيلة من وسائل الداعية إلى التحرر وحق تقرير المصير .
وظل الحال هكذا إلى آن وقعت اتفاقية القاهرة ، في 13 فبراير 1953 م والتي نال السودان استقلاله بمقتضاها فيما بعد .
بدأت الإذاعة السودانية عهدها الوطني الأول ، ومضت في التطور والتوسع ، وداعية للوطنية ومعنى الإنتماء والوفاء للسودان .
حتى بلغ بها الطموح إلى تأسيس وتشييد ( المسرح القومي ) داخل أسوارها وذلك لتوسيع أوعية البرامج الثقافية ، والمنوعات الفنية .
ففي 17 نوفمبر 1958م وتحت إشراف اللواء طلعت فريد ، ورعاية الرئيس الفريق إبراهيم عبود
تم الإفتتاح الرسمي للمسرح القومي السوداني .
بعد أن اكتمل البناء الذي حوى داخله فندقا فخيما خاص لاستضافة الفرق الإجنبية .
وكل ذلك تم تحت إدارة ( المراقب العام ) العام للإذاعة السودانية وظل الحال ذلك حتى عام 1966م .
تبلور وقتئذ فكرة إستقلال المسرح كهيئة أو كيان قائم بذاتها ، مختص بإنتاج العروض المسرحية .
فتم إختيار الرائد المسرحي ( الفكي عبدالرحمن لهذه المهمة .
وتم تعينه مديرا عاما للمسرح القومي السوداني
في 5 / 7 / 1967م .
بهذا ارتفعت سارية أخرى للتنوير والترشيد والمناصحة في ثنائية مع ( إذاعة أم درمان )
ومن ثم تنشأ الإذاعة داخلها مؤسسة إعلامية أخرى بحثا عن الترقية والتطوير والمعاصرة فقامت بإنشاء ( التلفزيون ) ..
وفي اليوم الثالث والعشرين من شهر ديسمبر عام 1962 ومن داخل الإذاعة بدأ أول بث تلفزيوني في السودان …
ليضاف القطب الثالث ( الإذاعة والتلفزيون والمسرح ) أو ( الحيشان الثلاثة ) كما كان يحلو هذا التعبير لأبناء أم درمان .
( أم درمان ) ..
مدينة الهلال والمريخ والموردة ،
الأندية الرياضية الإجتماعية ، تقاسم أهل السودان جميعا محبتها ، وعشقها ، وجعلوا من تشجيعها عصبا من أعصاب حياتهم .
( نادي المريخ الرياضي ) أو ( المريخ ) الأحمر الوهاج عند محبيه .
تأسس عام 1927.
يعتبر واحدًا من أعرق وأشهر الأندية الرياضية السودانية ، والأكثر فوزا بالبطولات الخارجية ، صاحب ( الكاسات المحمولة جوا ) ..
وغريمه التقليدي فريق ( نادي الهلال ) الذي تأسس في 1930م ، يمثلان مع المريخ قمة الكرة السودانية .. تعرف مبارياتهما معا بالديربي السوداني
ثم يأتي نادي الموردة الرياضي الذي تأسس عام 1925 غير أن تسجيله الرسمي تم في عام 1927، وهو من الأندية الممتازة في السودان ….
الهلال والمريخ والموردة
قدمتهم أم درمان للسودان ،
وقدموا للسودان أفذاذ كرة القدم :
الخواجة عبدالوهاب البليك لاعب المريخ .
صديق منزول .
عثمان الديم .
زكى صالح .
الدريسة .
جكسا .
الدحيش .
كمال عبدالوهاب .
قرعم .
عمر التوم .
ختم .
ودالزبير .
جقدول .
قاقارين .
وآخرين .
وكذلك من أوعية تشكيل الوجدان ( الإم درماني )
ملعب ( دار الرياضة ) ناحية شارع المورة ، تعد من اقدم ملاعب كرة القدم في السودان تم افتتاحه عام 1935 بواسطة الإدارة البريطانية حيث قامت بتخصيصه كملعب كرة قدم لجيشها إبان فترة حكمهم للسودان .
أم درمان ليست هي مدينة فحسب ، بل هي حالة ثقافية ونعمة إنسانيته نادرة ، تخلقت من تلقاء أمزجة السودانيين الذين وفدوا إليها من جميع أقاليم السودان الثقافية ، بعنف مواهب أبناء الغرب ،
وجمال أرواح أبناء الشرق ، وصفاء خيالات أبناء الشمال والوسط ، وقدرات أبناء الجنوب ، وأخلاط شتى من المهاجرين إليها عبر الحدود .
بذلك التلاقح الجيني انجبت أم درمان أنصع أبناء السودان نجابة وذكاءات متعددة .
ففي سلك القضاء السوداني التمعت اسماء أبناء أم درمان ومنهم :
الدرديرى محمد عثمان .
أبوشامة عبدالمحمود .
عثمان الطيب .
محمد ابراهيم النور .
عبدالرحمن النور .
محمد صالح الشنقيطى .
أحمد متولى العتبانى .
محمد يوسف هاشم .
مجذوب على حسيب .
أحمد بدرى .
يوسف ابراهيم النور .
دفع الله الحاج يوسف .
حسن مدثر الحجاز .
صلاح حسن .
عبدالحليم الطاهر .
عمر شمينا .
جلال على لطفي وآخرين .
وفي خدمة التربية والتعليم للسودان قدمت أم درمان من أبناءها :
مبروكة خليل زوجة احمد هاشم بك البغدادي
ممول كلية الطب جامعة الخروطوم .
حسين الغول .
عبيد عبدالنور .
قرة العينين .
بشرى عبدالرحمن صغير .
أحمد محمد صالح .
أحمد البشير العبادى .
حسن طه .
الهادى أبوبكر .
أحمد اسماعيل النضيف حسن أحمد يوسف .
على حسنى .
بشير حامد .
ابراهيم على .
النور ابراهيم .
سرالختم نورين
عبدالله الضرير .
شيخ النورانى .
بشاشة .
الخير سعد عمر .
الطيب شبيكة .
حسن محمد عبدالله وآخرين .
وفي مجال الإدارة ، سطعت أسماء
أمير الصاوى .
على عوض الله .
الفاضل الشفيع مكاوى سليمان أكرت .
كنتباى أبو قرجة .
النور عثمان .
عبدالله بك حمزة .
عبدالحميد بك حمزة .
حسين محمد أحمد شرفى .
ابراهيم بدرى .
عبدالعزيز عمر الأمين.
عثمان مناع .
الطيب الطاهر .
ابراهيم يسن .
قاسم محمد الأمين .
محمد خليل بتيك .
مصطفى يوسف تكونة .
محجوب لقمان .
حمدناالله احمد .
مبارك لقمان .. وآخرين .
تلك هي الحالة الجمالية المتلازمة والمتزامنة التي ربطت أم درمان بالعلم والفكر والآداب والفنون والرياضة ، والريادة في جميع مناشط الحياة .
وهي المدينة التى قدمت رجالا من أميز واشجع ضباط القوات المسلحة ، والشرطة والأمن ..
وتقلدوا أرفع المناصب السيادية والوظائف القيادية العليا ومنهم :
اللواء طلعت فريد وزير الاستعلامات والعمل إبان فترة حكم الرئيس عبود .
وأعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى عهد الفريق عبود :
اللواء أحمد رضا فريد .
واللواء أحمد عبدالله حامد .
واللواء عوض عبدالرحمن صغير .
ثم المشير جعفر محمد محمد نميرى الرئيس الأسبق للسودان ..
وأعضاء مجلس قيادة ثورة مايو :
أبوالقاسم هاشم ، بابكر النور ، هاشم العطا ، خالد حسن عباس ، مأمون عوض أبوزيد ، أبوالقاسم محمد ابراهيم ، زين العابدين محمد أحمد عبدالقادر
والمشير عبدالرحمن سوارالذهب ( رئيس المجلس الانتقالى ) .
ومن الذين تبوأوا مناصب عليا فى قيادة الجيش الفريق فيصل منصور شاور ( رئيس الأركان ) .
الفريق محمد عبدالقادر ( رئيس الأركان ) .
الفريق اسحق ابراهيم عمر ( رئيس الأركان ) .
الفريق حسان عبدالرحمن ( رئيس الأركان ) .
الفريق عوض خلف الله .
اللواء محمد ادريس عبدالله .
الفريق محمد عثمان هاشم .
العميد محمود صادق فريد ( مدير الاستخبارات).
العميد ميرغنى سليمان خليل ( مدير الاستخبارات ) .
اللواء كمال أبشر يسن (مدير الاستخبارات ) .
الفريق محمد زين العابدين (نائب رئيس الاركان ادارة ) .
الفريق توفيق أبوكدوك ( نائب رئيس الاركان ادارة ) .
الأميرلاى الأمين حميدة ( أول قائد لسلاح المهندسين ) .
أولئك جميعم أبناء أم درمان ، التي جاء إليها أباءهم وأسلفهم ، من جميع جهات السودان ، وهم وقتئذ في رحم الغيب ، ولدوا في أحياءها التي تأسست في مرحلة زمنية تضج بمعنى الإنتماء والوفاء للأرض والدين …
حتى أسماء الأحياء إنتمت طواعية وانتسبت الرجال الذين وفدوا إليها وعمروها بحسن الفعال ومنها على سبيل المثال فقط ( أبو روف ) ، ( ود نوباوي ) ، ( ود أرو ) و ( ود البنا ) ..
و( ود البنا ) هو هذا الحي الأم درماني العريق المنسوب ، المنسوب إلى شاعر المهدية ( ود البنا ) الذي قال ( الحرب صبر واللقاء ثبات والموت في شأن الإله حياة .
ومن أحفاده شاعر الحقيبة عمر محمد عمر البنا من الذي ولد في مطلع القرن العشرين بالتحديد في العام 1900م، سمي تيمنا بجده عمر البنا والده محمد عمر البنا كان عالما وشاعرا ومن اوائل السودانيين الذين تخرجوا في الأزهر إبان العهد التركي بدأ تعليمه في خلوة والده محمد عمر البنا ، بمدينة امدرمان التي درس فيها القرآن الكريم، ودرس الاولية في مدرسة والده أيضا ، بعدها التحق بمدرسة أمدرمان الأميرية ثم كلية غردون التذكارية .
الشاعر الكبير عمر محمد عمر البنا من عمق أمدرمان كتب الشعر وهو يافع ،
كتب في صباه أغنية ( زيدني في هجراني ) و ( متى ارجع لم أم در وازورا ) ….
تلك هي صورة أم در أمان ، ملاذ الغريب ودوحه ..
إلا أنها وفي زمن من أزمان ( القحط ) واعتلال الأشياء واختلال الموازين ..
وفي صباح يوم السبت 15 أكتوبر 2023م بالتحديد ،،،
كان موعدنا مع التتار ؟
لا ،
أليس هم المغول ؟
لا ، بل هم ، أفظع ، وأبشع من شهدتهم عيون التاريخ الإنساني قبحا .
هم ( العربان ) ذوو الوجوه الصخرية .
ملثمون بعمائم يقولون لها ( الكدمول )
هي شارة الغدر والخيانة ..
( الكدمول ) قبح تعافه نفوس أهل أولاد البلد الأصلاء .
( الكدمول ) علامة الإرهاب العابر للحدود .
إذن ، هم ( الجنجويد ) ….
أينما حلو ، الخراب في معيهتهم ، بل الدمار صنوهم ،
فصباح سبت أم درمان مع ( الجنجويد ) ما عاد أخضرا كما كان .
نهر النيل نفسه أغرقته دماء أبناء أم درمان .
جاءنا عرب الشتات بالكارثة ،
وأدخلوا بلادنا برزخ الإرهاب .
أحرقوا معابرنا القديمة ،
أجمل أشياءنا ،
ودائع أسلافنا ،
في لحظة أحاطوا أم درمان ، بخيلهم وخيلاءهم ،
ونيرانهم تتوهج في رابعة النهار .
ما أقبح الوجوه القبائلية المشدودة ، بحبال الكراهية والبغضاء والشحناء .
يبست أرض أم درمان تحت أقدام الجنجويد ،
لم يسلم أحد من نفثات صدور العربان المتحجرة بالكراهية ..
الموردة ،
العباسية وحي الضباط والملازمين والهجرة وود البنا .
يا ويح قلبي على ( ود البنا )
ترى ماذا يقول الشاعر ( ود البنا الجد ) في علياءه ، لو رأى حال الحي وقد ألهبته نيران عربان التيه والضلال .
وكيف ( ود البنا ) الحفيد لو رأى ، كيف استبد الزمان بأم درمان وأشقاها في زمن ( القحط ) .
وعلى أية آلاء الجسارة يلوذ عاشق أبن أم درمان المعذب بعشقها الأديب السوداني ( على ألمك ) .
ماذا لو رأى في علياءه ( مدينته الآدمية ) التي دمرها التتار الجدد ، فهجرها ، الطير ، والإنسان والحيوان .
وحي ( العصاصير ) مسقط رأسه ، تحوم فوقه البوم والغربان .
يا لجراحات الديار ..
هي غزوة الجنجويد ،
من قبائل العربان الذين تنادو من تمبكتو ،
ومن ودّاي ،
تنادو الى أم درمان ،
تدفقوا كالجراد من دولة مالي ،
والنيجر ، وأفريقيا الوسطى ، واستمالوا برنين الذهب حتى الأحباش والنوير .
عرب الشتات ،
أرعبوا السكان
اغتصبوا الحرائر ،
اشعلوا النيران في سوق أم درمان الكبير ونثروه رمادا رمادا .
ونتفو شارع العناقريب حبلا حبلا .
وأولاد مرين ، والتيمان
وحي البستة ،
والاسبتالية
والشهداء ،
المظاهر ، والمسالمة ،
شوارعها دمدمت حتى انطوت بالحريق .
إذاعة أم درمان ،
منبع أصالتنا ، وصوت تفردنا بين العالمين .
في زمن من الأزمان ،
هرع إليها الأستاذ صلاح احمد محمد صالح ، قادما من بريطانيا ،
تاركا عمله في إذاعة ( البي بي سي )
عاد الى إذاعة أم درمان مسرعاً ،
لإعداد وتقديم برنامج ( حقيبة الفن ) ..
ترك ( صلاح أحمد محمد صالح ) الإذاعي الأديب الشاعر ،
مسكنه الوثير في قلب مدينة لندن ، قبالة متحف فيكتوريا وألبرت ،
التي ظل يرافق فيها صديقه الأديب ( الطيب صالح )
ترك كل تلك الرفاهية ، وعاد فقط ..
ليذيع ويقدم لأهل السودان إرثهم العظيم من الشعر والفن من إذاعة أم درمان ،
ذلك الأرث الذي ظل خالداً إلى يومنا هذا ، حتى داسته أقدام الجنجويد .
جعلوا دار الإذاعة والتلفزيون والمسرح القومي تلالا من الرماد .
لم يتركوا في الإذاعة والتلفزيون أثرا من آثار ملك مملكة الأعلام في السودان البروفيسور ( علي محمد شمو ) ..
العالم الذي منح الإذاعة والتلفزيون من بريق نفسه الكريمة ووقاره الآخاذ ، معلما أسس وقواعد الإعلام لأجيال وأجيال.
سرقوا الدر والتبر والتراب .
نهبوا عصارة الفنون جميعها
أرعبوا الأناشيد والأغاني في أم در وسلبوا منها الأمان .
طين الطابية ، وبوابة عبدالقيوم
حوش الخيلفة ونقوش جدران قبة المهدي .
حطب شاطئ النيل قبالة حي ابو روف
( آه يا وطني
قلبي يحتويك وأنت ترحل في بريد الجنجويد )
هــذا أوان القحط ،
وقبور القتلى مفتوحة على مد البصر واتساع الرمل .
وأطـــيــاف الأرامــــل والـيـتـامـى ،
يــعــبــرون مـــفــازة الأشـــيــاء
من علايل اب روف للمزالق
والدماء تسيل في الطريق الشاقه الترام .
حتى الشمس حط غربته على رماد الحريق هل هذه حقا هي المدينة التي ساهمت في تشكيل شخصيات سودانية شاهقة في الحياة :
مكي شبيكة المولود في الكاملين ، (1905 ) ونشاته أم درمان كأعظم مؤرخ سوداني ، وأول سوادني يحصل على شهادة دكتوراة في فلسفة التاريخ .
أنجبت كامل شوقى ( أول مدير للغابات ) .
وانجبت الدكتور منصور خالد المفكر الكاتب المثقف القانوني السياسى الدبلوماسى .
وانجبت الدكتور كامل الطيب ادريس أول سوداني يشغل منصب مدير وكالة الملكية الفكرية .
وانجبت الضابط النابه محمود أبوبكر شاعر ( صه ياكنار )
يوسف بدرى ( أول صيدلانى ) .
محمد داؤود الخليفة ( أول ممثل سودانى للفاو )
أمير عبدالله خليل ( أول سودانى يتقلد مساعد مدير الفاو ) .
تلك الشوارع التي مشى في طرقاتها نجباء السودان من أبناء أم درمان
البيوت التي ولدو فيها ،
وترعرعو داخل حيشانها الأنيقة بالفل والقرنفل ،
غدت مرتعا للجنجويد ، نهبوا الأصول في( اب روف و( الهاشماب ) و (ود درو) … وتسلقوا أسوار بيت الزعيم( إسماعيل الأزهري )
و( عبد الله خليل ) لم ينجو بيت من بيوت الكرماء الأصلاء
عربان التيه والضلال ، ذبحوا الناس ، قتلوا ونهبوا
طمسوا وأزالوا كل آثار بيوت فوارس تاريخ السودان من أبناء أم درمان الذين قادوا ثورة 1924م ضد الإحتلال البريطاني :
عبدالفضيل ألماظ ،
على عبداللطيف ،
زاهر سرور السادات ،
قسم السيد خلف الله ( الكبتن ) ،
على البنا ،
عرفات محمد عبدالله ،
عبيد حاج الأمين ،،،
وكأن ( قبة المهدي ) قد لامست هامتها التراب حزنا على أم درمان .
حوش الخيلفة ، شاهد لفظاعة الأحداث في الزمان والمكان .
الشوارع كلها يسدها الغرباء من عرب الشتات ..
من شارع ( الوادي ) الي ( الدومة ) و ( مكي ود عروسه ) .. كلها باكية بائسة تعيسه .
صمتت المآذن ، واستوحشت شوقا لمن كانوا يلبون النداء ، حمائم المساجد .
وأوقفت كنيسة حي المسالمة ، رنين أجراسها .
هم الجنجويد في ( الزمن القحط ) …
وسلوانا قول ابن أم در صلاح أحمد إبراهيم :
( رُبَّ شمسٍ غَرُبتْ والبدرُ عنها يُخبرُ
وزهورٌ تتلاشى وهي في العطر تعيش
نحن أكفاءُ لما مرّ بنا، بل أكبرُ
تأجُنا الأبقى وتندكّ العروشْ
ولمن ولَّي حديثٌُ يؤثرُ
ولمن ولّى حديثٌ )
هي أم درمان ، شوارعها تأبى أن تخون ..
هي بشارة الشاعر الأم درماني الراحل ( مصطفى سند ) الذي قال قبل رحيله عن الدنيا قبل أعوام عديدة :
( قلبي توقف يحتويك
وأنت ترحل في بريد الجنجويد )
– يا وطن الشموس الخضر –
أعلنا هواك جسارة تعلو على صلف الزمان ..
إنا خزنا في صدور الغيب غضبة مارد يأبى عليك حقارة الدنيا ومنزلة الهوان ..
يا أيها الوطن الدماء ..
يا ظل من ناموا على عينيك يحتقبون طيفك في البعيد وفي القريب ،
بطاقة المعنى وشارة إنتماء .
يا أيها الوطن الرجاء
يا أيها الوطن المسافر في دم الأحرار .
نحن نحب تربتك المقدسة الهوى .
ونحب صوتك راحلا فينا .
وطعمك ساكنا فينا .
وعزك خالدا فينا .
نحبك يا أبا الأحرار ، وحدك
يا مطار الكبرياء .