مكي المغربي: توجيه النقاش

عبارات غير صحيحة صدرت من كبار وقادة في الصف الوطني على شاكلة (المجاهدين قدموا أكثر من الجيش) أو (أي كوز ندوسو دوس) أو مدح العملاء والخونة بأنهم (أكثر أبناء السودان نزاهة) .. كل هذه أمور تحدث في سياقات لا صلة بالواقع وتمر في النهاية دون ضجيج ولا تغيير ولا حتى ضرر على قائلها، بل ربما تكون مفيدة لأنها تقود للمستوى السليم من التفكير. هذه العبارات صلبة وصفرية وعلى أطراف اللوحة الحقيقية ولا جمال فيها، لأنها هي الإطار الخشبي الصلب حول اللوحة البديعة الزاهية وليست جزءا منها. وداخل اللوحة الحقائق الآتية:

1- غير صحيح أن الجيش على مسافة واحدة من كل التيارات، الاسلاميون هم الأقرب (في الجملة وليس الأستثناءات) وهذا ليس بقرار الجيش ولا رغبة قيادته، ولكن بقية المجموعات الأخرى اختارت تاريخيا الوقوف مع عدو الجيش، ظل اليسار مصنعا لكوادر الدعاية والاستهداف الخارجي ضد الوطن، وخضعت للأسف أحزاب كبيرة مثل الأمة لابتزازه وإرهابه وتآمرت ضد الجيش وانتهى بغالبهم الأمر بالارتزاق من المليشيا والدولة التي ترسل السلاح لقتل السودانيين، ولذلك الصحيح أن يقال الجيش يقف على (المسافة المناسبة) وليس (المتساوية) من كل تيار ومجموعة، حسب موقفها من الجيش وأهدافه الوطنية ولذلك (مثلا) لن تكون مسافة الحركة الاسلامية هي مسافة المؤتمر السوداني إلا اذا ابتعدت الحركة الاسلامية نحو المليشيا الارهابية أو اقترب المؤتمر السوداني نحو الجيش الوطني.

2- التوجه الاسلامي في السودان مبدأ (فوق-دستوري) لأن النظام السياسي في الدولة السودانية صنعه الإسلام، وهذه حالة سودانية لا فكاك منها، ولا يجوز اقحامها وتعميمها في دول لديها تطور سياسي مختلف. في السودان تحديدا، كل الدول الوطنية السابقة في التاريخ المعاصر اسلامية، إمارة كنز الدولة، سلطة سنار، سلطنة دارفور، الدولة المهدية. بل حتى أحزاب الحركة الوطنية الكبرى قامت على طوائف دينية الأنصار والختمية، حتى الشيوعيين يتحالفون مع الجمهوريين ويستخدمونهم حزاما حولهم لخلخلة الثوابت، لأن المجتمع لا يقبل الفكر الشيوعي إلا بغلاف إسلامي، ولذلك الإسلام صانع، والدستور مصنوع. والمصنوع لا يعلو على الصانع، والتوجه الإسلامي في السودان فوق-دستوري. من يريد تغيير هذا الأمر عليه الالتزام بهذه القاعدة أولا، ثم يجتهد في نشر العلمنة سلميا وبالاقناع والعمل السياسي عبر أجيال ولن يستطيع عبر ثورة مزيفة وكاذبة أو مليشيا مجرمة إرهابية أو صفقات مشبوهة وسرية من وراء ظهر الجميع.

تم تجريب كل كل المحاولات أعلاه، ولكنها زادت التوجه الاسلامي قوة ولم تضعفه. يضاف إلى هذا أن الإصرار على خلخلة المعادلات السياسية المستقرة في السودان بالأحلام والأوهام. والمتسكعين من أبناءه هو ضرب لاستقرار السودان والمنطقة كلها. يجب التعامل مع الواقع السوداني وقبول تفوق الاسلاميين.

مكي المغربي

Exit mobile version