على سطح صفيح ساخن:
في المقال السابق تحدثنا عن سباق المليشيا مع الزمن من أجل فتح جبهة من شرق الجزيرة نحو البطانة ومنها لنهر النيل أو إلى حلفا أو الدفع بقوات كبيرة لاستلام الدويم أو زيادة الجهد من أجل اسقاط الفاشر والتوجه للشمالية. كل هذا لأن استراتيجية المليشيا كانت وما زالت هي الاندفاع والانتشار الواسع حتى الوصول الى بورتسودان وحلفا او الوصول الى انهيار الجيش قبل ذلك.
ولكن يبدو ان المليشيا وصلت إلى حالة بعيدة من الضعف جعلتها تتخلى عن سنجة بعد أن اشتد الضغط عليها من الجيش بصورة أشبه بالتخلي عن جنودها ليلاقوا مصيرهم المحتوم او يستسلموا. وكذلك لم تستطع تطوير أي تحرك نحو جبل موية لاستعادته ولا إعادة تموضعها بالجزيرة للدفاع عنها وجعلت بقية جنودها هناك تحت رحمة تحرك القوات المسلحة التي أحكمت (استباق عمق) المليشيا بصورة لا يمكنها بعدها القيام بأي عمل عدائي متقدم لا في شرق الجزيرة ولا باقي أجزائها. فقط تنتظر مصيرها المحتوم او تستسلم. وحتى محاولاتها بغرب النيل الأبيض جاءت ضعيفة مثل انطفاء شريط الفانوس بعد آخر نفثات من الجازولين تحترق قبل ان تخبو، بينما يئست تماما من الخرطوم وحولت كل قواتها للدفاع في أسطح العمارات العالية بالقناصة ومدافع الكورنيت دون أي عمل عدائي مضاد لإسقاط أي من معسكرات الجيش. لقد حشرت المليشيا جنودها في المباني وتخلت عنهم ليدافعوا عن أنفسهم مع تقدم قوات الجيش دون أن يكون لديها خطة بديلة لتغيير سير المعركة وتركتهم ليواجهوا المصير المحتوم.
ويبدو ان آخر عمل عسكري منظم للمليشيا هو استخدام كميات المسيرات المهولة التي قام الداعم الإقليمي بمدها بها لتقوم باستهداف ثلاثة مطارات تظن عبرها انها ستحيد الطيران من وادي سيدنا وعطبرة ومروي أو سيساعدها في اسقاط الفاشر. مضادات الجيش المتطورة حولت المسيرات الى لعبة فيديو يتم فيها اسقاط جميع المسيرات المهاجمة للمطارات أو التي تقوم باستهداف المدنيين مع الأهداف العسكرية.
واستباق العمق هو المصطلح الذي يجعل قيادة القوات المسلحة تنظر بهدوء لطاولة الرمل وتبدأ في وضع الكماشة تلو الأخرى. والمصطلح العسكري يشير ليس فقط للتطويق ولكن إلى جعل كلفة وزمن ومسافة وصول المليشيا إلى أي أهداف عسكرية جديدة أشبه بالمهمة المستحيلة. هو عبارة عن خنق للمليشيا لتموت ببطء. ولهذا سنسمع مع تحرك الجيش لتحرير الجزيرة بحركة نشطة لإكمال تحرير بحري ومن ثم الخرطوم. وسنسمع فجأة بمتحركات نحو أم روابة لفتح طريق كوستي الأبيض وسنسمع بربط الأبيض بالدلنج وكادقلي وسنسمع بفتح الطريق البري نحو الفاشر.
الكل يرى ويسمع الامداد المستمر للمليشيا عبر الحدود وعبر الطيران الذي ينزل في المطارات الترابية وفي نيالا. ويبدوا أن الطيران السوداني سيتمكن قريبا من ضرب الأهداف التي ستدخل المجال الجوي للبلاد دون استئذان. هذه الخطوة بمجرد حدوثها سيكون لها الأثر المباشر على الأرض. لكن نهاية المعركة حقا ستكون عندما تدخل متحركات الجيش إلى الجنينة ونيالا وزالنجي والضعين والفولة ويشعر مواطن تلك المناطق بالأمان حقا تحت حماية القوات المسلحة وعودة الدولة ومؤسساتها للعمل.
أسامة عيدروس
1 ديسمبر 2024م