المليشيا… جماعة إرهابية (2)

مواصلة لما سبق نواصل الحديث حول مليشيا الدعم السريع وهل ينطبق عليها تصنيف منظمة أو جماعة ارهابية ؟؟ وهل يجرم القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان أفعالها الإجرامية الإرهابية أم ماذا؟؟

اتفق الضمير الإنساني الحر علي أن ما ترتكبه المليشيا من جرائم بحق المدنيين العزل ، هي جرائم إرهابية، و هي توثق لكل ما ترتكبه من جرائم بنفسها وتنشره عبر الوسائط المختلفة ، وهي بذلك توفر علي الجميع عناء إثبات صحة تلك الجرائم فهي مصورة ومذاعة و مثبتة ومحفوظة وواضحة للعامة.

والمتابع للأحداث يلاحظ أنه منذ اللحظات الأولى للحرب استهدفت المليشيا إرهاب المدنيين بشكل ممنهج ومباشر لتحقيق أغراضها السياسية للاستيلاء علي السلطة بالقوة، كذلك إثارة الرعب عبر الهجمات الإرهابية المتتالية العشوائية، بجانب استمرار جرائم السرقة والنهب والحجز القسري والخطف و استخدام الاغتصاب كسلاح لإرهاب المدنيين.

ارتكبت كذلك وبصورة ممنهجة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ومذابح في حق المدنيين في كل قرية وكل مدينة، لبث الرعب في نفوس المدنيين .

وهذا يتفق تماماً مع جوهر تعريف الإرهاب المتفق عليه كقاسم مشترك بين عدد من تعريفات للإرهاب من جهات مختلفة ، إذ اتفق علي أنه “استخدام العنف الممنهج ضد المدنيين العزل لتحقيق أهداف عسكرية أو سياسية”.

وهذا ما حدث للمدنيين العزل في قري ومدن السودان المختلفة.

ننتقل لنرى ما موقف المجتمع الدولي تجاة مكافحة الإرهاب في العالم .

مع ازدياد واتساع العمليات الإرهابية وتنوعها بما يهدد السلم والأمن الدوليين كان لابد من أن يقف العالم أجمع لحسم الإرهاب بكل أشكاله، وفي سبيل ذلك بذلت الأمم المتحدة جهوداً مقدرة للتصدي للإرهاب ومعاقبة الإرهابيين، لذا وبعد وقت قصير من هجمات 11سبتمبر أصدر مجلس الأمن قراراً اعتبر فيه أن أي فعل إرهابي يشكل تهديداً للأمن والسلم الدوليين، وأصدر في ذلك القرار المشهور رقم 1373 الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة بالاجماع في 28 سبتمبر 2001 م ، والذي جرم الإرهاب و حث على تأمين الحدود ومكافحة تمويل الأعمال الإرهابية والتعاون عبر الحدود بشأن انفاذ القانون.

هذا القرار حث الدول على التعاون من أجل تجريم الهجرة غير الشرعية والحد منها والقيام بتحقيقات مشددة قبل فتح اللجؤ ومنع أي دعم للجماعات الإرهابية (سواء دعم مادي أو الدعم بأسلحة أو التجنيد للعناصر أو غير ذلك من صور الدعم).

إلا أن تحرك الجمعية العامة للأمم المتحدة كان بطيئاً نوعاً ما، مما كان متوقع بكثير ، فجاءت استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب في العام 2006م ، والتي ترتكز علي أربع ركائز هي :

1/ التصدي للظروف التي يمكن أن تؤدي إلى انتشار الإرهاب.

2/ اتخاذ تدابير لمنع الإرهاب ومكافحته.

3/ اتخاذ خطوات عملية لبناء قدرة الدول علي تنفيذ ذلك.

4/ اتخاذ التدابير اللازمة لضمان احترام حقوق الإنسان في مكافحة الإرهاب.

وهي بذلك تضع الخطوط الأساسية لمكافحة الارهاب وتربط بينه وبين انتهاك حقوق الإنسان.

استراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الارهاب

بعد قرار مجلس الأمن رقم

1377للعام 2001 والذي أقر ان الإرهاب أهم مهدد للأمن والسلم الدوليين ، أصدر مجلس الأمن قراره رقم 1368 لعام 2001 م ، الذي يتيح للدول الأعضاء إمكانية اللجؤ إلى استخدام القوة المسلحة كدفاع شرعي فردي أو جماعي للرد علي الإرهاب.

من هذة القرارات ومن مجموعة آراء لخبراء القانون الدولي في مكافحة الإرهاب جاءت استراتيجية الأمم المتحدة كأداة دولية عالمية تهدف لتعزيز الجهود الوطنية والاقليمية والدولية الرامية إلى مكافحة الإرهاب، ويتم تجديد الاستراتيجية كل عامين مما يجعلها متطورة وتتناسب مع أولويات ومستجدات العالم في مكافحة الإرهاب.

بعد ما اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة استراتيجية مكافحة الإرهاب في 8 سبتمبر 2006م ،

والتي دعت الدول إلى اتخاذ تدابير وقائية لبناء القدرات بموجب ميثاق الأمم المتحدة ومعاهدات دولية أخرى.

كان مجلس الأمن قد أوضح في قراره 1566 الصادر في 1 اكتوبر 2004م تعريفاً للإرهاب في غاية الأهمية وهو “أن الأعمال الإرهابية هي أعمال إجرامية تطال المدنيين بقصد القتل أو إلحاق إصابات جسيمة أو خطيرة أو خطف رهائن بغرض إشاعة حالة الرعب بين الجمهور أو جماعة من الأشخاص أو ضد أشخاص معينين ، أو لتخويف جماعة من السكان أو لإرغام حكومة أو منظمة دولية علي القيام بعمل ما أو عدم القيام بعمل ما ، ولا يمكن تبرير هذه الأفعال الإجرامية بأي اعتبارات ذات طابع سياسي أو ديني أو فلسفي أو عنصري أو عقائدي أو أي طابع آخر “.

وللقارئ الكريم أن يلاحظ مدى انطباق هذا التعريف على ما تقوم به المليشيا من أفعال !! الأمر الذي يضع مجلس الأمن والمجتمع الدولي أمام مسرولياته بشكل لا لبس فيه.

في العام 2004 م أنشأت الأمم المتحدة الفريق رفيع المستوي المعني بالتهديدات والتحديات، وفي تقريره للأمين العام في ديسمبر 2004م اقترح أحد الخبراء تعريفاً للإرهاب يتفق مع ما أخذ به مجلس الأمن لكنه أضاف كلمتين في غاية الأهمية، فقال إن الإرهاب يقصد به “أي عمل يقصد أن يسبب الوفاة أو الأذى البدني الجسيم للمدنيين أو غير المقاتلين حينما يكون الغرض من هذا العمل بحكم طبيعته أو شكله تخويف المدنيين أو إجبار الحكومة أو منظمة دولية علي تنفيذ عمل أو الاحجام عن تنفيذه “، مفردات مثل ( مدنيين أو غير مقاتلين) تدعونا أن نقول إن الإرهاب يمكن أن يكون أثناء نزاع مسلح وأن ( مدنيين وغير المقاتلين) يمكن أن يكونوا هدفاً للأعمال الإرهابية المجرمة دوليا!!

في أوقات النزاع المسلح أو الحرب لا يندرج الإرهاب في فئة قانونية معينة بموجب القانون الدولي الإنساني، لكن تتيح اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية توضيح مَن هم المدنيين و مَن هم المقاتلين ومن المشارك في العمليات العدائية ومن لا يشتركون أو ألقوا السلاح.

لكن الثابت دولياً أن القانون الدولي الإنساني يحظر بث الرعب بين السكان المدنيين ومن يرتكب جريمة ضد المدنيين أثناء نزاع مسلح أو حرب فهو (*إرهابي*) للدولة أن تحاكمه ، و هنا أترك أيضا التعليق لكم!!

في العام 2005م أدانت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإرهاب بكل أشكاله وقررت تطبيق استراتيجية مكافحة الإرهاب علي المستوى الوطني والدولي ، ثم تم إنشاء المركز الدولي لمكافحة الإرهاب في 2013م في لاهاي بهولندا ، ويتكون من خبراء وأكاديميين وحكوميين يعملون في جمع وتحليل البيانات والمعلومات لمكافحة الإرهاب وهو أول مركز دولي أوروبي متخصص في مكافحة الإرهاب.

كذلك أنشئ مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الارهاب في 15 يونيو 2017م ، عملا بالقرار (29/ 71) الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة ، ويعمل علي رفع القدرات وتنسيق التعاون بين الدول الأعضاء، ويقدم المساعدة التقنية والفنية والتنسيق بين كيانات الأمم المتحدة، وله خمس وظائف هي :

1/ قيادة مجهودات مكافحة الإرهاب عبر الأمم المتحدة.

2/ تنسيق مبادرات مكافحة الإرهاب لضمان التنفيذ المتوازن.

3/ رفع قدرات الدول الأعضاء في مكافحة الإرهاب.

4/ رفع الوعي الجماهيري وتعبئة الموارد من أجل تعزيز جهود الأمم المتحدة في مكافحة الإرهاب.

5/ وضع التطرف العنيف ضمن برنامج مكافحة الإرهاب.

هذا علي المستوي الدولي، أما مكافحة الإرهاب على المستوي العربي فقد بدأت منذ ثمانينات القرن الماضي، وخلصت الجهود العربية لمكافحة الإرهاب إلى إقرار استراتيجية أمنية عربية اعتمدها مجلس وزراء الداخلية العرب في العام 1983م ، ونصت علي ضرورة الحفاظ علي أمن الوطن العربي وحمايته من الإرهاب والتخريب الموجة من الداخل والخارج.

و في العام 1987م ظهرت للمرة الأولى فكرة إبرام اتفاقية عربية لمكافحة الإرهاب وبدأت أولى الخطوات في وضعها إلا أن اندلاع حرب الخليج في أغسطس 1990م حين غزا العراق الكويت، انعكس سلبا علي الجهود وتجمدت الفكرة.

و في العام 1996م اعتمد مجلس وزراء الداخلية العرب مدونة قواعد سلوك تلزم بموجبها الدول الأعضاء في المجلس بعدم دعم الأعمال الإرهابية والحيلولة دون استخدام أراضيها للتخطيط لأعمال ارهابية ، (*وعدم المشاركة في دعم إرهاب داخل أراضي دولة أخرى*) ، وعدم توفير الملاذ الآمن للعناصر الإرهابية ومنع تسللهم عبر حدودها وإقامتهم علي أراضيها، بالإضافة إلى تبادل المعلومات في مجال إجراءات التحري والقبض علي الهاربين أو المحكوم عليهم في جرائم إرهابية.

يقوم المكتب العربي للشرطة الجنائية التابع للأمانة العامة للمجلس بمتابعة تنفيذ الدول العربية لهذه الاستراتيجية وإعداد تقرير سنوي يعرض علي المجلس في دورته العادية.

في أبريل 1998م اعتمدت الإتفاقية العربية لمكافحة الارهاب و دخلت حيز النفاذ اعتبارا من 7 مايو 1999م.

وتشير المادة 1 فقرة 2 من الاتفاقية علي أن الإرهاب هو ” كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أياً كانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذ الفعل الإجرامي فردياً أو جماعياً بهدف إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة ، أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر “.

ذات الاتفاقية عرَّفت الإرهاب كجريمة في مادة 1 فقرة 3 بأنه “أي جريمة أو شروع في ارتكابها وذلك تنفيذاً لغرض إرهابي من أي من الدول المتعاقدة ، أو علي رعاياها أو ممتلكاتها أو مصالحها يعاقب عليها قانونها الداخلي ، كما تعد من الجرائم الإرهابية الجرائم المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية ذات الصلة.

أما علي مستوي الدول الإسلامية، هناك معاهدة المؤتمر الإسلامي لمكافحة الإرهاب الدولي التي عقدت في يوليو 1999م ودخلت حيز التنفيذ في نوفمبر عام 2002م.

بالنظر إلى كل ماسبق نجد أن القوانين دولية كانت أو إقليمية أو وطنية تجرم الإرهاب وتعمل علي مقاضاة الإرهابيين ومن عاونهم ، إنفاذاً للقانون وإحقاقا للحق ، واتفقت المعاهدات الدولية في عدم التسامح مع الهجمات والأعمال الإرهابية سواء أثناء نزاع مسلح أو حرب أو بدونهما، وأن العقوبات للجناة لا تسقط بالتقادم ، وأن الإرهاب لا دين له ولا جنسية ، فالارهابي مجرم في نظر كل قوانين ومعاهدات العالم ، والدولة التي ترعى أو تدعم الإرهاب في أراضي دولة أخرى لابد من محاسبتها وفقا للقانون الدولي، لأنها تشكل تهديداً للأمن والسلم الدوليين.

لكن ماذا عن تمويل الإرهاب وكيف يتم ؟ وكيف تدعم دولة عمليات إرهابية في أراضي دولة أخرى ؟ وكيف تتم محاسبة تلك الدولة أمام القانون الدولي؟

ويبقى السؤال: بعد كل ما ذكر ألا تعتبر المليشيا منظمة إرهابية ؟

والأهم لماذا لم يصنفها المجتمع الدولي منظمة إرهابية حتي الآن؟؟

نستعرض ذلك وغيره في المقال القادم.

د. إيناس محمد احمد

Exit mobile version