شَرَّكْ مَقَسَّمْ فوق الدَّقَشَمْ

(الحربُ فی نهاياتِها) هكذا قال البرهان فی كلمته أمام الجلسة الإفتتاحية للمؤتمر الأول لمواجهة التحديات الإقتصادية لما بعد الحرب، والذی نظمته وزارة المالية والتخطيط الإقتصادي ببورتسودان، وقال الفريق أول عبد الفتاح البرهان:

(هناك الكثيرُ من التحديات والقليلُ من الفُرَص) وللحقيقة فإن السيِّد رئيس مجلس السيادة، القاٸد العام، لم يتطرق إلیٰ التَّحَدِّی الكبير الذی سيجد الشعب السودانی نفسَه فی مواجهته، وهو كيفية إعادة تلك الروح السودانية الفريدة فی تجاوز الخلافات، والتعايش السلمي بين مكونات المجتمع.

حكیٰ الدكتور مصطفی الفقي رجل السياسة والدبلوماسية المصري فی أحد البرامج التلفزيونية، إنه إندهش عندما شاهد سفير السودان بمصر ومعه الملحق الإعلامي، فی ضيافة المشير جعفر نميری، عندما كان لاجٸاً فی مصر بعد الإنتفاضة، وكان مطلوباً لدیٰ الحكومة السودانية فی ذلك الوقت، وأنَّ الفقي حكیٰ للرٸيس مبارك عن تلك الواقعة، وأضاف إنَّ حكومة نميري كانت العدو الأول للحزب الشيوعي السوداني لكنَّ ذلك لم يمنع النميری من السماح لزميله فی مدرسة حنتوب الثانوية محمد إبراهيم نُقُد الأمين العام للحزب الشيوعي -المُطارَد أمنيَّاً- من المشاركة فی اليوبيل الذهبی لمدرسة حنتوب، والذي كان أكبر مَن شارك فيه (نميری ونُقُد) وقبل ختام الحفل همس أحد رجال الأمن فی أذن نُقُد بأن نميري سيغادر مكان الحفل بعد ربع ساعةوقال له:-(يَلَّا إتَّكِل علی الله.) وغادر نقد موقع الحفل بسلام، وعاد إلیٰ مخبٸه.

ويُردف د. الفقي بالقول (شوف كيف الشعب السوداني ده، في قِمَّة الرُقِي)

وعلی ذِكر المغفور له بإذن الله الأستاذ محمد إبراهيم نُقُد، نُثبت له إنَّه عندما عاد المغفور له بإذن الله الدكتور حسن عبد الله الترابي من كندا بعد حادثة الإعتداء عليه هناك، جاء نُقُد لزيارته متخفياً فقد كان مطلوباً من قِبَل الأمن، ووقف أمام منزل الترابي داخل عربة حتَّیٰ شاهد اللواء الركن طبيب الطيِّب إبراهيم محمد خير فقال له: (يا السيد الوزير، بَلِّغ دكتور حسن الترابي تحياتي وسلامي وقول ليهو نُقُد بيقول ليك، شَرَّكْ مَقَسَّم فوق الدَّقَشَم.) وعاد إلیٰ مخبٸه، قبل أن يُسَجِّل الفريق أمن صلاح قوش مدير جهاز الأمن والمخابرات زيارة مفاجٸة له فی المنزل الذی كان يختبٸ فيه بعد حادثة الترابي تِلك بسنوات، ولم يأمُر بإعتقاله!!

ولن ننسى عناق فاطمة أحمد إبراهيم للمشير عمر البشير أمام حفل جماهيری بالقطينة، ولا واجب العزاء علی روح نُقُد الذی قدمه البشير عند وفاته رحِمه الله. كما لا يفوتنا نقل جثمان المرحوم الشريف حسين الهندی لكی يُقبر في قبة والده ببری، علی عهد نميری حيث كان الشريف حسين، من أخطر وأكبر وأشرس معارضی ثورة مايو، وكذلك السماح بنقل جثمان المرحومة فاطمة أحمد إبراهيم من لندن إلیٰ الخرطوم حيث وُورِیَ جثمانها ثریٰ أم درمان، فی عهد ثورة الإنقاذ ، رحم الله الجميع وغَفَر لهم، كل هذه الشواهد يبدو إعادة تطبيقها الآن ضرباً من الخيال، بل هی من المستحيلات تماماً، بعد كل الفظاٸع التی إرتكبتها المليشيا، التی دَمَّرت منظومة القيم والأخلاق، قبل أن تدمر المباني والمصانع، وقبل أن تحتل المنازل والمستشفيات، وقبل أن تنهب الأموال والسيارات، وقبل أن تغتصب الحراٸر ، وتُذِل الكبار من الشيوخ ، وتذبح الشباب ذبح الشياه، وتسمم المياه، وترسل المسيرات لقتل الآمنين، وتستخدم سلاح الجوع لتشريد المواطنين، وتفرض الأتاوات علی العابرين!!

هل بإمكان،خالد سِلِك،أو ياسر عرمان أن يُقَدِّما واجب العزاء فی من لقي ربه علی أيدی المليشيا المجرمة، في موطنهما الجزيرة (مثلاً)؟

هل بإمكان الشعب السوداني الكريم أن يقبل العفو أو الدِّية فی مَن قُتِل مظلوماً علی يد مليشيا آل دقلو؟، ولو كانت (الدٍّية بوزن الضحية ذَهَباً !!) أو بمليارات الدولارات !! لا أعتقد.

عودة الناس إلی ديارها ورتق ما انفتق من النسيج الإجتماعي، وإعادة إعمار ما دمرته الحرب، هو المطلوب والممكن، وسيكون ذلك ضمن توصيات المٶتمر الإقتصادی، وليس ذلك بمستحيل، فقد عادت ألمانيا واليابان إلیٰ الازدهار بعد الحرب، وعادت المدن الأندونيسية لسابق عهدها بعد التسونامی، وعادت دولة رواندا كأسرع الدول الأفريقية نُمواً بعد الحرب الأهلية الطاحنة، والأمثلة تجلّ عن الحصر، لكن ما حدث فی السودان مخالف لكل تلك النماذج !!

نسأل الله أن يشملنا بعفوه وعنايته وأن يُسبغ علينا نِعَمه ظاهرةً وباطنة.

وأن يُلْهِمنا الصواب، وأن يُعيننا حتّیٰ لا يُفلِتَ مجرمٌ من العقاب، وأن يُنعِم علينا بأن يُجنبنا شهوة الإنتقام، وأن يُعيد لنا الأمن والأمان والسلام،حَتَّیٰ نُعيد بناء الثقة والوئام بين مكونات هذا المجتمع النبيل، ولن نركن إلیٰ التَمَنِّی، لكن سنعمد إلیٰ الإقدام.

وما نيل المطالب بالتمنِّی، ولكن تؤخذ الدنيا غِلابا.

وما استعصیٰ علی قومٍ منالٌ،إذا الإقدام كان لهم رِكابا.

النصرُ لجيشنا الباسل.

العِزة والمِنعة لشعبنا المقاتل.

الخِزی والعار لأعداٸنا، وللعملاء.

وما النصر إلَّا من عند الله.

والله أكبر ولا نامت أعين الجبناء.

محجوب فضل بدری

Exit mobile version