السلاح النووى الروسى مُسْتَبْعَد

هناك ترجيح نظرى قوى يَستبعِد أن يكون الرئيس الروسى بوتين جاداً فى تهديده بأن يلجأ إلى استخدام السلاح النووى فى حربه الدائرة ضد أمريكا وحلفائها على أرض أوكرانيا، ويَميل إلى أنه يُرْبِك أعداءه فى حسابات مُضَلِّلة. ولا تتوقف موانعه فقط على خشيته من الأخطار الرهيبة على البشر من السلاح النووى، وإنما أيضاً لأنه سيفقد، إذا استخدم السلاح النووى، واحداً من أهم بنود الخطاب الروسى بالمفاضلات الإنسانية والحضارية فى صراعه ضد الولايات المتحدة وحلفائها. فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، يؤكد الخطاب الروسى أن توحش النظام الأمريكى ضد البشر الأبرياء، وعدم اعتداده بآدميتهم، هو الذى جعلها الدولة الوحيدة فى التاريخ التى استخدمت السلاح النووى عندما ضربت هيروشيما ونجازاكى، ولم تهتم أمريكا فيها إلا بتحقيق مكاسب، وهى تعلم يقيناً بأن أعداداً هائلة من الضحايا الأبرياء سوف يسقطون، مع إحداث دمار غير مسبوق فى تاريخ الحضارة الإنسانية! هذا الخطاب الروسى المستقر يجعل من الصعب تصور أنها يمكن أن تتساهل بمبادرة منها تعفى أمريكا من وصمة أنها الدولة الوحيدة التى استخدمت السلاح النووى، بل إن روسيا تركز على التباهى بفنونها وآدابها وإنجازاتها فى العلوم التطبيقية لصالح الإنسان، وببطولاتها فى دحر خطر النازية عدو الإنسانية..إلخ.

ثم، وعلى الأقل فى هذه المرحلة من الصراع، يَكفى روسيا أن سلاحها النووى يَردع أعداءها ويُجبرهم على إجراء حسابات معقدة قبل أى خطوة، كما أن لديها أسلحة هائلة غير نووية تُلَبِّى احتياجاتها الآنية، وكان منها هجومها المرعب الذى أطلقته الأسبوع الماضى ضد أوكرانيا لعقابها على الاعتداء على الأراضى الروسية، فقصفت مجمعاً صناعياً عسكرياً أوكرانياً بصاروخ باليستى عابر للقارات، محمل برءوس غير نووية ذات قدرات تفجير عالية، تَزيد سرعته بأكثر من 20 مرة عن سرعة الصوت، دمَّر المجمع بالكامل، وتَسبَّب فى قطع الكهرباء عن العاصمة كييف و3 مدن كبرى أخرى، وعجزت أجهزة الدفاع الجوى الأوكرانية عن رصده. وهذه مجرد عينة واحدة من الأسلحة المتطورة غير النووية تكفى لإضرار وتخويف أعداء روسيا، فلماذا تلجأ للسلاح النووى؟.

أحمد عبدالتواب – بوابة الأهرام

Exit mobile version