المسافة الآمنة
في كل مرحلة عمرية يتعلم الإنسان مبادئ وعادات جديدة، ربما يجاهد نفسه ليتعود عليها أو يجد نفسه مجبولا عليها بناء على تراكمات التجارب التي مر بها والتي حتماً تُشكل ملامح شخصيته الجديدة في تلك المرحلة، يولد الإنسان على العفوية والطبيعية في التعامل، وتُشكل تربية الأهل شخصيته الطفولية ويتم غرس القيم والعادات فيها بناء على وجهة نظر وتوجهات الأسرة، وكلما تَقّدم الإنسان في عمره ودخل مرحلة جديدة أضاف سلوكيات وعادات جديدة لشخصيّته، وبالتأكيد ليست كل التجارب التي يمر بها سعيدة بل مع الأيام يكتشف شخصيات أنانية، غير سوية، تحمل بداخلها شراً يؤذي العالم، فالعالم مليء بكل أنواع الشخصيات البعض منهم يسعى للخير ويمتاز بالطيبة، ويراعي الله في تعاملاته والبعض الآخر على العكس تماماً، فنجده يتفنن في أذية الناس وربما أقربائه أو اصدقائه ولا يحفظ العلاقات الاجتماعية التي تربطه بهم، ناهيك عن أولئك المنافقين الذين يأتونك بوجه محب، ويدّعون خوفهم عليك وفي الخفاء يسيئون لسمعتك وتحزنهم سعادتك، ويبحثون عن عثراتك ليضحكوا عليها، ويتمنون زوال الخير عنك، وحمداً لله أن الأرزاق بيد الله لأن هؤلاء المرضى سيمنعون عنك الرزق بكل أشكاله لو كانت لديهم القدرة!
ومع انتشار منصات التواصل الاجتماعي زاد الحسد وذلك لانفتاح الناس على حياة بعض، فمن مميزات تلك المنصات مشاركة التفاصيل اليومية مع الأصدقاء ورغم أنها ميزة إلاّ أنها تنقلب إلى سيئة لأن فضول البعض يجعلهم يراقبون ويحسدون الآخرين على يومياتهم وسفراتهم وطريقة حياتهم، بل يحسدونهم على هدوئهم وربما كوب القهوة الذي يحرصون على تناوله، لذلك عزَف البعض عن مشاركة يومياته لكثرة المواقف السيئة التي واجهته والتي يعتقد أنها من الحسد وعيون الناس مما أثر على تعاملاته مع الناس لأنه أصبح حساسا لكل تعليق ولكل كلمة ترد من متابعينه، وهنا ندخل في موضوع آخر ذي صلة وهو الهوس في تدوين التعليقات والتنمر على ما ينشره الناس في المنصات، فطالما أن المتابع غير مستمتع بالمحتوى فيمكنه إلغاء المتابعة أو عدم التعّرض للمنشور عوضاً عن التنمر على الشخص وتدوين تعليقات مُسيئة تصل للسب والقذف أحياناً، ففي رأيي أن من يدون تلك التعليمات المسيئة يعاني من نقص ويفرغّه في تلك التصرفات لجذب الانتباه !
تعلمت من العلاقات الاجتماعيّة التي مررت بها، أن تخصيص مسافة آمنة بيني وبين الناس أمر مريح جداً، ويحافظ على الخصوصية التي يهوى البعض اختراقها بفضوله، بل البعض لابد وأن نضع له حدا، لأنه لم يستوعب تلك الخصوصية فيطرح أسئلة تفصيلية ودون خجل عن حياتنا رغم أننا لا نسأله عن أي أمر خاص، بل يسعى لإخفاء تحركاته وأموره لكن فضوله يحركه لمعرفة أخبار الآخرين، ومثل هذه النماذج مزعجة جداً وتتمنى لو نتخلص منها للأبد!
الحياة رحلة فيها المتعة وفيها التحديات والصعوبات، وبعض البشر في حياتنا يجعلونها هيّنة ومريحة، والبعض الآخر يجعلونك تكره اللحظة التي جمعتكَ بهم، لذلك ضع حدودا لكل من يحاول التلصص على حياتك، وحط نفسك بسدٍ منيع، فالقلوب متغيرة ومن يهواك اليوم قد يكون عدوك غداً فلا تأمن له!
لا تأتي بفعل على الآخرين وأنت لا تقبله على نفسك، فالناس ايضاً لديها أحاسيس ومشاعر ومحبون وأهل، فكن مهذباً في تعليقاتك وتجنب الفضول والتنمر والعبارات المسيئة التي تكشف عن خلل في أخلاقك ونقص في شخصيتك!
أمل عبدالملك – الشرق القطرية