منذ بداية الحرب أدهشني تبرير تمويل وتسليح دول أجنبية للجنجويد بحجة أن الجيش أيضا تسلحه دول أجنبية.
استحضار مقولة أن هناك دولا تدعم الجيش كمعادل لتمويل دولة أجنبية للجنجويد حجة ممعنة في الغرابة. الجيش السوداني جيش دولة علي راسها حكومة أمر واقع. وكل دول العالم تشتري السلاح أو تحصل عليه مجانا بصورة دورية إن لم تكن يومية وليس في ذلك أي غرابة. حصول أي دولة علي السلاح بغض النظر عن ديمقراطية حكومتها من عدمه ممارسة قانونية تماما وتحدث بروتينية مملة.
الغريب هو أن تدعم دولة أجنبية ميلشيا تملكها أسرة إقطاعية ويحارب في صفوفها مرتزقة من دول متعددة وتمارس هذه المليشيا جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإغتصاب واسع النطاق بصورة يومية. كما تسببت هذه الميليشيا في تشريد ملايين السودانيين إلي منافي المجهول والمسغبة.
لا يمنع القانون الدولي أي دولة، بما في ذلك الدول التي تقوم بأمرها حكومات الأمر الواقع، من الحصول علي السلاح هبة أو بمقابل ولكن ما تمارسه الدول الداعمة للجنجويد انتهاك صارخ للقانون الدولي يعرف بجريمة العدوان.
حقيقة لا أفهم كيف يمكن مساواة حصول الجيش علي سلاح كمعادل قانوني أو أخلاقي أو سياسي لجريمة العدوان وجرائم الجنجويد ضد الإنسانية. من الممكن أن أفهم سبب هذه المساواة الكاذبة عندما تاتي من حلفاء الجنجويد السريين والعلنيين ولكن حين تأتي من أقلام لا علاقة لها بالجنجويد لا من قريب ولا من بعيد يستعصي الأمر علي فهمي.
وايضا يدهشني الاعتذار نيابة عن مسلحي الجنجويد بالقول أن تدخل الدول الأخرى في الحروب الأهلية عملية متوقعة وطبيعية. حتي لو قبلنا هذا المنطق في سياق حرب أهلية، لا يمكن القبول به في حالة تمويل ميليشيا من مرتزقة متعددي الجنسيات يرتكبون أسوأ الانتهاكات كما ذكرت أعلاه.
إن هذا العالم يتجاهل ماساة الشعب السوداني لانه عالم ظالم وعنصري ويعاني فيه السودان من التهميش ثلاثي الأبعاد إذ هو بلد هجين من إسلام وعروبة وذنوجة وكلها من محفزات العنصرية. هذا التهميش ثلاثي الأبعاد قضاء وقدر.
ولكن أداء الصفوة العلمانية أضاف عاملا رابعا للتهميش وهو سرديات بائسة عن الحرب ساعدت العالم العنصري علي اللا-مبالاة بمعاناة السودانيين المرعبة وبررت لها. وهذا منظور تعلو فيه كراهية الصفوة السودانية للكيزان والجيش علي محبتهم لشعبهم. ما يفرض سؤالا عن البوصلة الأخلاقية الهادية للعمل السياسي في أوساطهم: هل البوصلة هى حب الشعب والإحساس بمعاناته أم تصريف غبائنهم والانتصار لاطروحاتهم الطائفية والثأر من الجيش والكيزان ولو ببنادق الجنجويد وعلي جثث ملايين البسطاء وصراخ الاف المغتصبات. ثم لا يطرف للصفوة جفن ازاء الحقيقة الماثلة في ان انتقام الجنجويد يدفع ثمنه المواطن المدني العادى وشعب ثورة ديسمبر ولا يدفعه جيش ولا كيزان.
معتصم أقرع