عثمان جلال: من يفكر للفريق اول عبد الفتاح البرهان؟؟

(١). الاستقامة الفكرية تقتضي تحرير السؤال لتشمل كل قيادات الجيش الذين تعاقبوا على حكم السودان عبود نوفمبر ٥٨ إلى ١٩٦٤م ،والنميري مايو ٦٩ إلى ١٩٨٥م والبشير يونيو ٨٩ الى ابريل ٢٠١٩م، والبرهان سبتمبر ٢٠١٩ حتى اللحظة التاريخية، فهؤلاء في الاصل ضباط قوميين مهنيين أدوا قسم الولاء لحماية الوطن وصيانة الدستور، ولكن تم اقحامهم في صراع السلطة عبر الاحزاب السياسية لعجزها عن ادارة قضايا البناء الوطني والديمقراطي عبر الأدوات الفكرية والسياسية وتحويلها من صراع التضاد الايديولوجي الى خلاف التنوع الخلاق الذي يصب في غرسها في المجتمع والاحزاب والمؤسسات الناظمة للنظام الديمقراطي وصولا الى سيادة ثقافة قوامة المجتمع في الحكم والاقتصاد والنهضة الحضارية الشاملة.
(٢)
ان هذه الانحرافات الفكرية والسلوكية تعزز من فرضية ان الذهنية السياسية المدنية التي تعاقبت على الحكم في السودان كانت في الأصل استبدادية متدثرة بقناع الديمقراطية، ويعزز ايضا من فرضية أن الاحزاب السياسية شيدت من اول يوم لتعبر عن مصالح الأقلية القيادية المتنفذة فيها ، فزعيم الحزب لايترجل عن القيادة إلا بموته ولذلك ظلت هذه الاحزاب السياسية تعاني من حالة الفصام بين القيادة والقاعدة وايضا ظلت الممارسة الديمقراطية الداخلية محض شكلية لتجديد البيعة لذات القيادة دورة بعد دورة دون تعاقب للأجيال القيادية.
وهل الاحزاب السياسية المؤسسة على هوادي الديمقراطية وهيمنة القواعد على القرارات التنظيمية تستقوي بالبندقية لغرس النظام الديمقراطي المستدام؟؟
انها حالة التناقض الفكري التي مازت قيادات الاحزاب السياسية.
(٣).
ان قيادات القوى السياسية وظفت أحزابها من اجل اشباع طموحاتهم في السلطة، وليتهم توافقوا على صفقة مساومة ديمقراطية لتدوير السلطة بينهم ، كالديمقراطيات الشكلية في الغرب والتي تعكف على حراستها الاقلية الراسمالية المتنفذة . ولكن قيادات الاحزاب السياسية السودانية استنفدوا كل طاقاتهم السالبة في استقطاب قيادات الجيش السوداني وتوظيفهم لحسم الصراع مع خصومهم في الميدان السياسي ، بل وحددت هذه القيادات مهام القادة العسكريين الموالين لهم والمتمثلة في انجاز العملية الفنية للانقلاب العسكري، ثم المغادرة، وأيلولة ادوات السلطة لزعيم الحزب .
ولكن قبل صعود الزعيم الى منصب الرجل الاول في الدولة بأزياء الديمقراطية التنكرية، يجرده القائد العسكري من أدوات القيادة ، ثم يخلع البزة العسكرية ويتحول الى قائد سياسي ويستبد بالسلطة المطلقة حتى يفقد فيها الحزب السياسي خواص المبادرة والطلاقة ، وتذوب شخصية الحزب والدولة في شخص الرجل الاول، وبقاءه يعني استمرارية الحزب ووحدة الوطن ،وعندها تتعالى قضايا الحكم والسلطان من مقاصد الاجتهاد السياسي البشري الى الايديولوجيا الجبرية والقدرية.
(٤)
ان خلاصات صراع السلطة في السودان أكدت ان الانقلابات العسكرية في السودان تنضج من رحم تناقضات الاحزاب السياسية ، وان مخازي هذه الانقلابات ترتد بدءا على القيادات والاحزاب السياسية التي صنعتها، ثم ترتد في تعطيل قضايا البناء الوطني والديمقراطي ، وتكثف من هيمنة مؤسسات الاستبداد والفساد ، وهكذا ارتكست دورات الحكم في حالة التأمر (بتشديد الميم) من غير أمرة واستعصت على الانتقال الى مرحلة التأمر في الامير .
وهذه آفة الازمة الدستورية في الفكر السياسي الاسلامي منذ سقوط نموذج الشورى في دولة الخلافة الاسلامية. وان كان ذلك كذلك فإن الوعي بالنظام الديمقراطي في السودان يجب ان تسبقه حفريات فكرية وثقافية في الأصول البنيوية للاستبداد
(٥).
ان الفريق البرهان تفكر له ذات الذهنية السياسية التاريخية الطامحة في السلطة على الشيوع، والان بلغت هذه الذهنية والمتمثلة في قيادات تحالف تقدم الحضيض في الانتهازية وهي تتكفف السلطة عبر بندقية آل دقلو الارهابية.
إن الفريق البرهان أدرك ان هذا التفكير الرغائبي سيقوده الى ذات المتاهات العبثية التى انتهى اليها عبود ونميري والبشير، وأدرك ان مؤسسة الجيش السوداني مع التحول الديمقراطي . لذلك اعلن في يوليو ٢٠٢٢ خروج المؤسسة العسكرية من السياسة ودعا الى التوافق بين القوى السياسية لادارة المرحلة الانتقالية وصولا الى الانتخابات ،وتبيئة النموذج الديمقراطي الأمثل في الحكم
(٦)
ان الفريق البرهان يتصدى لقيادة الجيش والشعب في معركة تفكيك مليشيا آل دقلو العنصرية باعتبارها المهدد الاستراتيجي لبقاء الدولة السودانية في الخريطة العالمية
ان واجب كل القوى السياسية والمجتمعية الاصطفاف مع الجيش وقيادته في هذه المعركة المصيرية حتى تصفية المليشيا الارهابية من جذورها وواجب ذات القوى السياسية التي صنعت النصر في ارض النزال تشكيل الكتلة التاريخية الحرجة لقيادة مهام المرحلة الانتقالية واعادة الأعمار وواجبها الاستمرار في حالة التوافق الاستراتيجي لعدد من الدورات الانتخابية حتى غرس ومأسسة النظام الديمقراطي المستدام.
(٧)
لقد فشلت رهانات القوى السياسية في الحكم وبناء النموذج الديمقراطي عن طريق القفز ليلا بالدبابة، وفشلت رهاناتها عبر الديمقراطية التشاسكية ، فهل تتعالى فوق الانا الذاتية والحزبية والايديولوجية لبناء التجربة الديمقراطية التوافقية
إن الإمكان التاريخي وتحدياته بتعبير هيغل قابل لبناء نموذج ديمقراطي ينهي الدورة الشريرة في الحكم، والكرة في ملعب القوى السياسية التي تلتف حول الجيش في معركة الكرامة فهل تكسب رهان التحدي ؟؟

عثمان جلال
الجمعة : ٢٠٢٤/١٠/٢٥

Exit mobile version