تحقيقات وتقارير

استسلام كيكل يثير الجدل مابين العفو العام وضرورة المحاسبة.. خبراء لـ “المحقق”: القضية أكبر من ذلك وسابقة لأوانها وينبغي النظر للمصلحة العامة

استسلام القائد الميداني في الدعم السريع أبوعاقلة كيكل للقوات المسلحة، خطوة قد تغير مسار الحرب في السودان، وقد تشجع آخرين للانسلاخ من صفوف المليشيا، بعد العفو العام الذي جدده رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة الفريق عبد الفتاح البرهان.

مشهد الاستسلام
أتى خبر استسلام كيكل مفاجئا للداخل والخارج السوداني، فالرجل الذي روع الكثيريين من مدن ولاية الجزيرة وقراها، ودخل عاصمتها مدني قبل نحو عشرة أشهر، وكلفه قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” بقيادة مهام الفرقة الأولى بالولاية، بعد انسحاب الجيش منها بطريقة دراماتيكية شابها الكثير من التعجب والاستغراب، وبعد قتل ونهب واغتصاب وتشريد للمواطنين بالجزيرة، يسلم الرجل نفسه في مشهد آثار دهشة الجميع، كما أثارت مشاهد التهليل والتكبير من جنود الجيش، احتفالا بكيكل استهجان عدد كبير من الجماهير، فكيف لمجرم أن يستقبل استقبال الأبطال، مافسره كثيرون بأنه بداية للافلات من العقاب.

ترحيب وتقليل
الجيش من جانبه رحب بانضمام كيكل وقواته للقتال معه، وانسلاخه من المليشيا، وبحسب بيان للقوات المسلحة السودانية أكدت فيه أن أبوابها ستظل مشرعة لكل من ينحاز لصف الوطن وقواته المسلحة، وجدد رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة العفو العام لأي متمرد ينحاز لجانب الوطن ويبلغ لأقرب قيادة عسكرية بكل مناطق البلاد، في المقابل قلل الدعم السريع من الخطوة، وفي وقت وصف مستشاري المليشيا كيكل بالخائن، قال آخرون أن كيكل سلم نفسه ومعه أفراد حراسته فقط وليس بعتاده وقواته كما يقول الجيش.

عفو أم محاسبة
الناظر لاستسلام كيكل يرى نجاحا للجيش في خروج أحد القادة الكبار من المليشيا، الأمر الذي سيساعد كثيرا في مزيد من انتصارات القوات المسلحة، واعادة السيطرة على مناطق مهمة وعلى رأسها ولاية الجزيرة التي كان منتشرا بها هو وقواته، إلا أن فكرة العفو العام على شخص هو مجرم في نظر الجميع وقف عندها المحللون وآثارت جدل النقاش، فهل يتم استقبال كيكل على أنه بطل من حقه العفو العام، أم أنه مجرم يستوجب المحاسبة وعدم الافلات من العقوبة.

سابق لأوانه
من جانبه يرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الدكتور خالد التيجاني أنه يجب التركيز في هذه اللحظة على حدث الاستسلام نفسه، وعلى نجاح الجيش في تحقيق ذلك. وقال التيجاني لـ ” المحقق” إن اثارة الجدل حول مسألة العفو العام التي أعلنها البرهان في السابق وأكد عليها الآن وبين المحاسبة سابق لأوانه، مضيفا أنه في هذا الظرف الدقيق، والمعركة مازالت مستمرة، ينبغي أن ننظر إلى أي خطوة تساعد في تسهيل انهاء الحرب، مؤكدا أن القضية كبيرة وأنه سيأتي الوقت الذي ستتم فيه مناقشة ذلك، وقال إن ذلك في غير أوانه، وإن القضاء على المليشيا هو الأولوية الآن، معربا عن اعتقاده أن انضمام كيكل للقتال مع الجيش غير وارد، وقال أعتقد أن المشاركة ستكون بتمليك معلومات عن المليشيا، وهذا سيكون له الأثر الكبير في المعركة لصالح انتصار الجيش.

مخزن أسرار
أما الخبير الأمني والعسكري الدكتور أمين اسماعيل مجذوب فرأى من جهته أن عملية استسلام كيكل هي عملية استخباراتيه محكمة وناجحة. وقال مجذوب لـ “المحقق” كان لابد أن تستصحب هذه العملية التغطية الإعلامية، فقد تم سحبه واستقطابه، في عملية كسرت ظهر المليشيا، لكن الهالة الإعلامية قد تكون أضرت بالعملية، مضيفا لو كان استسلم وتم ابعاده بطريقة سرية قد يكون الأثر أكبر، وبالضرورة المليشيا ستعلم بانضمامه دون هذه الهالة، وتابع لكن الخلافات التي تحدث الآن من أنه مجرم يحاسب أم لا عملت نوعا من النقاش المتطاول، وقال إن العملية تقرأ من عدة محاور أولها استفادة كيكل من عفو القائد العام وهو اعلان قديم، موضحا أن هذا العفو لا يسقط الحق الخاص، وأنه يمكن لأي متضرر من كيكل شخصيا أو من الذي قاتلوا معه أن يفتح قضيته في أي وقت من الأوقات، وقال أما المحور الثالث، في الصخب والإعلان الذي صاحب عملية الاستسلام والذي قد يغري الآخريين بالاستسلام للجيش، مشيرا إلى عمليات الانتقام التي بدأت في بعض القرى في أماكن سيطرة كيكل في شرق الجزيرة، وإلى أن هناك قتلى ونهب وسلب بسبب هذا الاستسلام، وقال إن هنالك مجموعات كبيرة من الشباب الذين استنفرهم كيكل بعلمه وتدريبه، الآن تم اعتقالهم وتدريبهم وربما تتم تصفيتهم، مضيفا أن شرق الجزيرة كانت آمنة نوعا ما، والآن أصبحت معادية بعد استسلام كيكل، موضحا أنه وفقا لهذه المتغيرات، يمكن القول بأن الدعم السريع يعمل في بيئة معادية في شرق الجزيرة الآن، وأن كيكل مخزن معلومات يمكن أن يؤدي إلى فتح خزانة أسرار الدعم السريع وتستفيد القوات المسلحة والأجهزة الأمنية منها، وقال مازلنا في بداية الاستسلام، نقرأ ونحلل كل الخطوات سواء كانت عوامل مؤثرة أو آثار أو متغييرات، مضيفا إن المقاربات التي ذكرت أنه مخزن أسرار، يمكن أن يفيد بالمعلومات، مستدركا أنه لايمكن أن يعود للمشهد ثانية سواء كان عسكريا أو سياسيا أو اجتماعيا.

القضية أكبر
بدوره رأى رئيس المكتب السياسي للحزب الإتحادي الديمقراطي الدكتور السماني الوسيلة أنه يجب تخطي القضية الشخصية لصالح المصلحة العامة. وقال الوسيلة لـ ” المحقق” على القائد أن يتخطى الغضب الشخصي، ويتعامل كرجل دولة، مضيفا رغم المآسي التي ارتكبها كيكل لكن في النهاية القائد هو المسؤول عن اتخاذ القرار لصالح مصلحة الشعب، وتابع قطعا كيكل ارتكب الكثير من الجرائم، ولكنه إن عاد إلى رشده، وأثبت تماما ذلك هو وقواته، “فمن عفا وأصلح فأجره على الله”، لافتا إلى أن الدين نفسه يحض على ذلك، داعيا المتضرريين على المستوى الشخصي من هذه الجرائم أن يتجردوا من هذا الألم لصالح مصلحة الوطن، مشددا على أن الأزمة أكبر من أي جراح، وقال إن استسلام كيكل وتحصين كل هذه الوحدات التي خلفها، وارساله رساله للآخرين بأن يفعلوا مثلما فعل فهذا أمر محمود، منبها في الوقت نفسه من عودة كيكل للقتال مع القوات المسلحة على أرض الميدان، وقال ينبغي أن يؤخذ هذا الأمر بحذر شديد مع عدم التشكيك في الوقت نفسه، مضيفا أنها لحظة تداعي وطني، وأنه على كل الذين كانت لديهم مواقف ضد مصلحة الوطن، أمامهم فرصة للاصطفاف الآن مع هذه المصلحة، مستشهدا بطريقة تعامل نيلسون مانديلا الرئيس السابق لجنوب أفريقيا مع جلاديه، وابتعاده عن أي ثأر شخصي لصالح مصلحة بلاده.

القاهرة- المحقق- صباح موسى