ما هو مصير المتعاونين مع الدعم السريع؟

بعد استسلام قائد مليشيا الدعم السريع بولاية الجزيرة أبو عاقلة كيكل للقوات المسلحة، أو انحيازه، لم يفق عناصر وقادة التمرد من الصدمة بسهولة، وأصيبوا بعدها بحالة من الجنون، وتبادل الاتهامات، كما ظهر في عشرات المقاطع المسجلة، وبدأوا في فحص صفوفهم من جديد، وأقبل بعضهم على بعضٍ يتلاومون.

تداعيات خروج كيكل

تداعيات خروج كيكل تمثلت في ردة الفعل الغاضبة، حيث قام عناصر التمرد، وبتعليمات من قادتهم بالخارج، بهجمات انتقامية طالت العديد من المناطق التي يعتبرونها حواضن اجتماعية لكيكل، تحديداً في شرق الجزيرة، وأوقفوا الجنود والمتعاونين، ممن كانوا يقاتلون إلى جانبهم، وقاموا بتعذيبهم، وتم تصفية العشرات منهم ورمي جثامينهم في العراء، فيما لا يزال مصير رئيس ما يعرف بالادارة المدنية بولاية الجزيرة، الصديق عثمان، الشهير بصديق موية مجهولاً، ورشحت معلومات أن كادر حزب الأمة القومي أخفى نفسه خشية إلقاء القبض عليه، وتقوم قوة من التمرد بالبحث عنه ما بين ولاية الجزيرة وأطراف النيل الأبيض، وذلك بعد تصريحات قائد الميليشيا في محلية الحصاحيصا أحمد قجة بأن كل شخص ليس من عائلة جنيد لا يثقون فيه، وعلى ما يبدو فإن قجة الذي كان ينتمي للجبهة الثالثة(تمازج)، ولا يمت بصلة رحم لتلك المجموعات التي يخدم تحتها، يخشى أن تطاله الشكوك بعدم الولاء لآل دقلو فطفق يحارب طواحين الهواء، وظهر بتلك النبرة المتطرفة، والتي تشيء بالطابع العنصري للميليشيا، وأنها تقاتل لأهداف غير وطنية.

متمرد على البرهان وخائن لحميدتي

صباح الأثنين ظهر النقيب سفيان بريمة، الذي كان يسمي نفسه بالمتمرد على قادة الجيش، وهو محاط بمجموعة من عناصر الدعم السريع، وتبدو عليه أثار الضرب، وقد وصفه أحد عناصرهم بأن أراد الهروب وهو الأن في قبضتهم، وأرغموه على الحديث بصورة مهينة، ثم حققوا معه عن السبب الذي جاء به من الخرطوم إلى تمبول، بدون ذلك الزي العسكري الذي كان يظهر به، على الدوام، ليغرق في منتصف المسافة ما بين تمرده على البرهان وخيانته لحميدتي، بصورة متناقضة وساخرة.

وبالرغم من أن فكرة استجواب سفيان بريمة، وعرضه بتلك الصورة قصد المتمردون منها تخويف البقية ممن يفكرون في القفز من سفينة الدعم الغارقة، إلا أنها في حقيقتها رسخت رسالة سالبة، بأن هذا مصير كل من يتعاون مع قوات التمرد، ويخون شعبه وبلاده.

أما الصورة الأخرى الأكثر تداولاً في مواقع التواصل الاجتماعي، فهى للداعية المثير للجدل، مزمل فقيري، والذي استقرّ به المقام بعد الحرب في ولاية الجزيرة، وظهر في أحد مقاطع الفيديو وهو يروج لنجاح الموسم الزراعي تحت رعاية الجنجويد، بنفس طريقة علاء نقد المتحدث باسم تقدم، لكنه أيضاً وبعد أن شعر بأن الجيش في طريقه إلى ولاية الجزيرة هرب إلى تشاد عبر الحدود، وظهر بعد ذلك في مسجد جعفر الطيار بمدينة أبشي وهو يتحدث عن حرمة الخروج على الحاكم، وينصح التشاديين بعدم معارضة رئيسهم الحالي محمد كاكا.

لكم في رامي أسوة غير حسنة

الصراع داخل صفوف ميليشيا الدعم السريع والاتهامات بالخيانة ليست وليدة اليوم، وإنما ظهرت منذ فشل خطتهم في اختطاف الدولة، حيث ألقت القبض على قائدها في البحر الأحمر آنذاك العقيد رامي الطيب، واتهمته بالتخابر لصالح الجيش، وكان العقيد رامي قد خسر معركة الانفتاح على القواعد العسكرية في البحر الأحمر بالتزامن مع السيطرة على مطار مروي بالشمالية في 2023، وهرب بعدها، مما أغضب حميدتي فأمر قواته بملاحقة رامي والزج به في السجن، وقد ظهر لمرة واحدة بعد ذلك وهو يرتدي جلباباً سودانياً، تحيط به قوة مدججة بالسلاح، بعدها راجت معلومات بأن المليشيا قامت بتصفيته.

بالعودة إلى منطقة شرق الجزيرة من المهم أيضاً الإشارة إلى أن الميليشيا المتمردة اعتقلت في يونيو الماضي قائد ثاني الدعم السريع بشرق الجزيرة؛ (العميد خلا) الطاهر جاه الله، واتهمته بالتخابر مع الجيش، وقامت بترحيله إلى الخرطوم بقوة عسكرية على متن ”8“ سيارات، وكان جاه الله قد شارك في عمليات الهجوم على القرى والمدن، مما تسبب في حالات قتل واغتصاب ونزوح وسط المواطنين بالجزيرة.

فوبيا الخيانة

على ما يبدو فإن الميليشيا تعاني أزمة ثقة، واتهامات متبادلة بالخيانة، كل منهم ينظر للآخر بريبة، ولا أحد يعرف من أين ستأتيه الضربة، وقد حاول حميدتي في خطابه الأخير التملص من سلوك قواته، ووصفهم بالمجرمين، قائلًا: ” المتفلتين والمجرمين أرهقونا”، وهو بذلك يتحدث عن قوة كبيرة من (الشفشافة) يعرفها ويعتمد عليها بالكامل في الهجوم على القرى والمدن، حيث يغريهم قادتهم بمقولات على شاكلة “الميت شهيد والحي مستفيد”.

ثمة واقعة لذلك الصراع المستفحل في صفوف التمرد، والذي اتخذ طابعاً دموياً على الأموال المنهوبة، ففي ولاية الجزيرة كانت مجموعة تابعة للواء عصام فضيل قد قامت بالهجوم على منطقة المسيد التي كان يتحصن فيها القائد المليشياوي عمار جرمة، وتم منحه رتبة مقدم وتعيينه قائداً على منطقة (المسيد وآلتي)، وقد نصب جرمة نقاط عبور لتحصيل الأموال من كل المارة، وكون ثروة طائلة من تلك الأنشطة الفوضوية، على امتداد طريق الخرطوم مدني، وقد اشتبكت معه مجموعة فضيل بسبب رغبتهم في أن يتم توريد تلك الأموال إليهم، مما تسبب في مقتل جرمة وإصابة العشرات في المعركة التي دارت بالقرب من سوق المسيد.

النهاية السرطانية

عموماً فإن محاولة هروب سفيان، أو المسرحية التي قامت على سلسلة من الهزائم المتواترة، إلى جانب استسلام كيكل للقوات المسلحة، أو انحيازه لصفها، والفتنة التي ضربت صفهم لدرجة أنهم أصبحوا يتشككون في أقرب الناس إليهم، وربما لا يسلم الكثير من قادتهم من تلك الاتهمامات، بما فيهم المك أبو شوتال وحمودة البيشي وإبراهيم بقال، وبالفتل على جديلة تلك الوقائع فإن المليشيا المتمردة على الدولة تعاني من الاختراق، أو بالأحرى حالة سرطانية تتأكل بها خلاياها من الداخل، وقد ارتدت عليها سهامها، حد أنها لم تعد تعرف من هو العدو من الصديق !! وعلى الأرجح سوف تشهد صفوفها موجة من الانقلابات الداخلية، وتبادل النيران، أما مصير المتعاونين مع التمرد، فإن لم تطالهم الشكوك والاعدامات من قبل من يعملون معهم، فغضبة المواطنين، والتي لا عاصم منها، لا شك أنها في انتظارهم.

المحقق – عزمي عبد الرازق

Exit mobile version