السودان.. شرق الجزيرة في “عين العاصفة” بعد انشقاق قائد بـ”الدعم السريع”
على نحو مفاجئ، ظهر أبو عاقلة كيكل، قائد قوات الدعم السريع السودانية في ولاية الجزيرة، في مقاطع فيديو، مع والي الولاية، المعيّن من قبل قائد القوات محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وضباط وجنود الجيش السوداني، الأحد، ليثير عاصفة من التساؤلات، قبل أن يعلن الجيش، في بيان رسمي، انشقاق كيكل عن الدعم السريع وانحيازه إلى القوات المسلحة السودانية.
وكشفت مصادر عسكرية متطابقة لـ “الشرق” أن كيكل “سلّم” نفسه للقوات المسلحة السودانية في منطقة “جبال اللبيتور”، شمال مدينة رفاعة شرقي الجزيرة، والتي تبعد نحو 90 كيلومتراً شمال شرق مدني، عاصمة الولاية.
وأضافت المصادر أن كيكل سلم نفسه وقواته ومعداته إلى قائد الجيش السوداني في منطقة البطانة العميد ركن أحمد شاع الدين.
ورحب الجيش بالخطوة، مؤكداً أن أبوابه مفتوحة “لكل من ينحاز إلى صف الوطن وقواته المسلحة”، مشيراً إلى أن رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الفريق عبد الفتاح البرهان سبق أن أصدر “عفواً عاماً” لـ”أي متمرد ينحاز للوطن” ويبلغ لأقرب قيادة عسكرية بكل مناطق السودان.
وقال مصدر قريب من كيكل لـ”الشرق” إن الرجل انحاز للجيش بصحبة “الآلاف من الجنود من ولاية الجزيرة”.
شرق الجزيرة في “عين العاصفة”
في اليوم التالي لخطوة كيكل، اتهمت لجان مقاومة مدينة رفاعة، شرقي الجزيرة، قوات الدعم السريع باستهداف مدن وقرى المنطقة، واعتبرت أنها تنفذ “عملية انتقام”، بحسب تعبير بيان اللجان، وهي مجموعات تمثل الناشطين المدنيين المناهضين لحكومة الأمر الواقع في أحياء المدينة.
وقالت اللجان، في البيان، إن عمليات الدعم السريع بدأت فوراً بعد انسحاب الجيش من مدينة تمبول التي سيطر عليها لمدة 5 ساعات فقط.
وأضافت أن مدنيين لقوا حتفهم برصاص الدعم السريع، كما أصيب آخرون بعد استهداف بلدات “العزيبة” و”الجنيد الحلة” و”العك” و”البيوضاء”، واتهمت الدعم السريع بـ”استباحة مدينة رفاعة بالكامل”، على حد تعبير البيان الذي حمّل “طرفي الصراع مسؤولية سلامة وأمن مواطني المنطقة”.
“الدعم”: تحركات كيكل مريبة
في المقابل، قالت قوات الدعم السريع، في بيان، إنها رصدت تحركات “مريبة” للقائد المنشق أبو عاقلة كيكل في الآونة الأخيرة “بعد أن أخفى نفسه مع أفراد من أسرته”، مشيرة إلى أنها راقبت اتصالات جرت بينه وبين بعض قادة حزب المؤتمر الوطني المنحل.
واتهمت الدعم السريع كيكل بأنه خضع لصفقة و”تم شراؤه” بتسهيل من شقيقه، بعد اجتماعات عقدت في مدينتي القضارف وبورتسودان، وقالت إن “الترتيبات كانت تقضي بعمل عسكري واستخباراتي يؤتي أكله لصالح الجيش، لكنه فشل”.
من هو كيكل؟
في أكتوبر 2023، أعلن أبو عاقلة محمد أحمد كيكل تأييده وانحيازه لقوات الدعم السريع بعد نحو 6 أشهر من اندلاع الحرب، وظهر آنذاك في مقطع مصوّر مع مسلحين يردد عبارات مؤيدة للدعم السريع.
وسيطرت قوات الدعم السريع على مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، في 19 ديسمبر 2023، ليبرز اسم كيكل بشكل أكبر، خاصة بعد أن اختاره حميدتي قائداً للقوات في الولاية ووالياً عليها.
وظهر كيكل في المشهد السوداني لأول مرة في ديسمبر 2020، قائداً لمجموعة مسلّحة أطلقت على نفسها “درع السودان”، ونظمت عرضاً عسكرياً آنذاك في منطقة “الجبال الغُر” في “سهل البطانة” وسط السودان.
وربط محللون ظهور المجموعة في ذلك الوقت باتفاق “سلام جوبا” الذي حفز مجموعات أخرى للمطالبة بأنصبة في السلطة والثروة و”رفع التهميش” عن مناطق في السودان، فيما رأى مراقبون أن كيكل لم يكن بعيداً عن أجهزة السلطة في السودان، أو أنها غضت الطرف عنه لئلا تنشب مشكلات جديدة في وسط البلاد.
وعلى الرغم من أن تاريخ كيكل السياسي غير معروف على نطاق واسع، إلا أن تقارير صحافية تشير إلى أنه نشط بمبادرات اجتماعية وسياسية في منطقته “سهول البطانة”، الغنيّة بالمراعي الطبيعية والثروة الحيوانية.
تأثير على موازين القوى
وتوقع المحلل السياسي والصحافي عبد المنعم أبو إدريس أن يؤثر إعلان كيكل الانضمام إلى جانب القوات المسلحة السودانية بشكل كبير على موازين القوة والسيطرة في ولاية الجزيرة باعتبار أن مجموعته كانت تسيطر على الجزء الشرقي من الولاية، وهي مساحات شائعة.
وقال أبو إدريس، لـ”الشرق”، إن هذا التطور يفتح الطريق أمام الجيش نحو عاصمة الولاية، مدينة ود مدني، موضحاً أن التطورات تزيد في تأمين ولاية القضارف شرق السودان أيضاً، باعتبار أن الهجمات على أطرافها كانت تقع من شرق الجزيرة و”تنفذها القوات التي استسلمت الأحد”.
وأضاف أن السيطرة على جبال اللبيتور مهمة جداً لأنها تقع وسط سهول البطانة، ومن السهل التحرك انطلاقاً منها باتجاه حلفا الجديدة والقضارف في ولاية القضارف.
وتابع أبو إدريس أن إكمال السيطرة على شرق الجزيرة سيمكّن الجيش من التقدم والسيطرة على شرق النيل في العاصمة السودانية الخرطوم.
واتفق الخبير العسكري المقدم متقاعد الصادق الرضي عثمان مع أبو إدريس في أن الوضع بولاية الجزيرة أصبح أكثر تعقيداً بالنسبة لقوات الدعم السريع.
وقال عثمان، لـ”الشرق”، إن انضمام قوات كيكل للقتال مع الجيش ستعقّد الأمور أكثر بالنسبة للدعم السريع، خاصة في ظل التقدم الذي أحرزته القوات المسللحة مؤخراً وسيطرتها على مواقع استراتيجية.
ويرى متابعون أن ترحيب الجيش بانشقاق كيكل عن الدعم السريع يفتح الباب أمام قادة آخرين بالقوات للانشقاق عنها، فيما طالب آخرون بمحاكمة كيكل على خلفية اتهامات لقواته بارتكاب جرائم في ولاية الجزيرة.
ولا يُعرف حتى اللحظة الأسباب التي دفعت كيكل إلى اتخاذ هذه الخطوة، في ظل سيل من التكهنات بشأن التضييق عليه من قبل قادة الدعم السريع، وشكوك حامت حوله، أو أن إحساسه وقراءاته بأن الدعم السريع ربما يخسر قريباً ولاية الجزيرة، أو ضغوط من أهله وأسرته بعد اتهامات للدعم بارتكاب جرائم في المنطقة.
الشرق للأخبار