الحرب علي دولة 56 أو كيف فقدت تقدم كل الشعب السوداني

الحرب علي دولة 56
أو كيف فقدت تقدم كل الشعب السوداني
في مسلسل صقر قريش يشتاط الوليد بن يزيد ( الوليد الفاسق كما تسميه بعض كتب التاريخ ) وقد إستجابت قبائل العرب لدعوة أعمامه وأبناء عمه هشام بن عبد الملك للإنقلاب عليه ، يقف وهو يلعن القبائل ( اللعنة علي كلب وكندة والسكاسك و لخم وعبس وقيس وتغلب ) ..

يذكره وزيره ومستشاره ( لقد سميت العرب جميعهم يا مولاي ) …

وما لجأ إليه ( أمير المؤمنين) من سب ولعن وإعلان الحرب علي الجميع في لحظة من فقدان البصيرة وغياب التدبير ، أو فلنقل بمفهوم عرفاني ( في لحظة من لحظات تجليات معني الآية وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعف عن كثير ) هو ذاته الموقف الذي وقعت فيه قحت / تقدم من عدة أوجه ..

لم تسعف قحت ثقافتها السياسية ولا حسها التاريخي ، ولم ينفعها وجود مثقفين كبار في صفوفها أن تستبين أن دولة 56 التي تقاتلها مليشيا الدعم السريع ( حليفتها في السر والعلن ) إنما هي جماع ما تراكم من أمر السودانيين منذ ممالكهم الوثنية الثلاثة القديمة ، مرورا بدويلاتهم المسيحية الثلاث ، ثم وقوفا طويلا عند السلطنة الزرقاء والدولة المهدية وكل عهود الحكم الوطني ..

فإن تزين لبعض من أنصاف مثقفي المليشيا ، وبعض من حاملي ما تبقي من فيروس ثقافة ( اليسار العنصرية) في صفوفها ، أن خطاب الهامش قد يكسب مؤيدين في هذه الحرب ، فما كان يفوت علي كل ذي عقل أن هذه الحرب إنما سامت العذاب أولا لأولئك الذين تدعي المليشيا وأعوانها من جماعة قحت الإنتصار لهم ، وبمثلما سالت دماء الأبرياء والعزل في الخرطوم ، الجزيرة ، سنار وغيرها كانت الدماء أكثر سيلانا في الجنينة ، والجرم أكثر فداحة في الفاشر ، وفي غيرها من وديان دارفور الحبيبة ..

وبكل التجرد والإنصاف يمكن القول أن دولة 56 المزعومة ، والمستهدفة بالحرب هي هذا السودان بكل تاريخه ، جهاته ، قبائله ، دياناته ، إنتصاراته ، هزائمه ، حروبه ، سلمه ، عدله ، ظلمه ، أغانيه ، مدائحه ، أحزابه ، طرقه الصوفية ، مثقفيه ، شعرائه ، مغنيه ، وبين قوسين قوناته ، عامته ، شرفائه ، عملائه ، وستات الشاي فيه ..
وهو السودان الذي يقول فيه صلاح ؛
شين ودشن
حر وسوافي
وكلمة مافي
هظارو خشن بسموم وسوافي
تسأل شن الحبة فيهو
الحب في ذاتو مبرر كافي ..

أي إمتياز ( فايت الحد ) لدولة 56 المزعومة تري جماعة قحت ومن أمامها المليشيا ( لازم يساووهو ) بإفقار الجميع ، وتهديدهم ( بسكن الكدايس ) في منازلهم ، وإذا صح وجود ذلك الإمتياز هل يكون التصحيح بالبناء والإعمار تحت شروط المساواة والعدل ، أم بهدم ما هو قائم ( علي قلته) فوق رؤوس أصحابه بعد نهب ما خف وزنه وغلا ثمنه ..

ألم يأن للمثقفين من تلك الجماعة أن تقف بعناية وتتساءل لماذا وقف مثقف كبير مثل محمد جلال هاشم ، وهو الذي لا يزايد عليه ، مثل هذا الموقف ، وكثيرون غيره كذلك ، لماذا وقفوا هذا الموقف ، الإجابة ببساطة وبكل العفوية هي أن هذه الحرب حرب عدوان على موروث الشعب ووجوده قبل أن تكون شفشفة للمتاع الزائل ، فكيف لتحالف يدعي أنه ديمقراطي ومدني وفيه شعراء ومرهفوا الحس لا يري دموع الثكالي ، وأنات الموجوعين ، وذل السودانيين في المهاجر وفي خيام النزوح ، أتساءل هل تعمي البصيرة للحد الذي لا يميز فيه الإنسان بين الظلام والنور ، إذن صدق المتنبئ إذ يقول :
وما انتفاع أخي الدنيا بناظره
إذا استوت عنده الأنوار والظلم ..
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه…

د. ياسر يوسف

Exit mobile version